ما حكم نقل القصص دون التأكد من ثبوتها؟

0 300

السؤال

ما حكم نقل القصص التي فيها عظة وعبرة، دون التأكد من مصدرها، أو صدقها؟ خصوصا أننا نجد أمثال هذه القصص كثيرا في المنتديات.
فهل نغلق مثل هذه المواضيع، أم نتركها مفتوحة للعظة، ونكتب ما يدل على أننا غير متأكدين من صحتها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد جمع ابن الجوزي -رحمه الله- في مقدمة كتابه (القصاص والمذكرين) أسباب كراهة من كره القصص من السلف.

قال: إنما كره بعض السلف القصص، لأحد ستة أشياء:

أحدها: أن القوم كانوا على الاقتداء والاتباع، فكانوا إذا رأوا ما لم يكن على عهد رسول الله، أنكروه، حتى أن أبا بكر، وعمر لما أرادا جمع القرآن قال زيد: أتفعلان شيئا لم يفعله رسول الله؟

والثاني: أن القصص لأخبار المتقدمين تندر صحته، خصوصا ما ينقل عن بني إسرائيل، وفي شرعنا غنية، وقد جاء عمر بن الخطاب بكلمات من التوراة إلى رسول الله، فقال له: أمطها عنك يا عمر! خصوصا إذ قد علم ما في الإسرائيليات من المحال، كما يذكرون أن داود -عليه السلام- بعث أوريا حتى قتل، وتزوج امرأته، وأن يوسف حل سراويله عند زليخا، ومثل هذا محال تتنزه الأنبياء عنه، فإذا سمعه الجاهل، هانت عنده المعاصي، وقال: ليست معصيتي بعجب.

 والثالث: أن التشاغل بذلك، يشغل عن المهم من قراءة القرآن، ورواية الحديث، والتفقه في الدين.

والرابع: أن في القرآن من القصص، وفي السنة من العظة ما يكفي عن غيره مما لا تتيقن صحته.

والخامس: أن أقواما ممن يدخل في الدين ما ليس منه، قصوا، فأدخلوا في قصصهم ما يفسد قلوب العوام.

والسادس: أن عموم القصاص لا يتحرون الصواب، ولا يحترزون من الخطأ؛ لقلة علمهم، وتقواهم؛ فلهذا كره القصص من كرهه.

فأما إذا وعظ العالم، وقص من يعرف الصحيح من الفاسد؛ فلا كراهة. اهـ.

ثم قال في نهاية الباب الحادي عشر: فيما ورد عن السلف من ذم القصص، وبيان وجوه ذلك: قد أوضحنا في أول الكتاب، فضيلة الوعظ والتذكير، ولا يخفى عموم نفعه للعوام، وليس من ضرورة كونه نافعا أن يتشاغل به الفقهاء كلهم، والزهاد.

وقد ذكرنا عن أحمد بن حنبل أنه قال: ما أحوج الناس إلى قاص صدوق! وقد روينا عن الصحابة، والتابعين أنهم كانوا يعظون، فبان أن من كرهه، إنما كرهه لأحد الوجوه التي سبقت في أول الكتاب، ثم قد غلب على أربابه قلة العلم، وعدم الإخلاص، وأن يجتلبوا به الدنيا، وأكثرهم ليس بفقيه، ولأن الانعكاف عليه، يشغل عن مهم العلم. فمتى تخلص من هذه الآفات، فهو ممدوح. اهـ كلامه.

فعلى هذا، نقول: متى كانت القصص من العالم الثقة في دينه، وعلمه.. فلا بأس بذكرها عزوا إليه: بأن يقال: ذكرها الإمام فلان، في كتابه كذا، أو الشيخ فلان، فتخرج من عهدة الناقل، وإن كان الأولى الإعراض عنها، والاقتصار على ما صحح إسناده العلماء النقاد، كما بيناه في الفتوى رقم: 153801، فراجعها.

هذا إذا كانت تلك القصص مذكورة في كتب التراث الإسلامي، أما القصص المعاصرة، فالأولى ترك نشرها مطلقا إلا أن يعلم الناشر صدقها، أو يسمعها من الناقل الثقة؛ فقد كثر الكذب في هذا العصر: إما ممن يظنون أنهم ينصرون الله ورسوله، ودينه بكذبهم ــ والله غني عنهم، وعن كذبهم ــ وإما ممن يلبسون على الناس، ويستغلون عواطفهم لمآرب في نفوسهم المريضة، الله أعلم بها.

فهذا باب نرجو سده، وفي قصص الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة، وتراث الأمة، ونقل العلماء الثقات من العظة، ما فيه الغنية عن روايات الكذابين، والمجهولين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات