برَّ أباك العاصي المسيء وادع له بالهداية واثبت على الإسلام

0 175

السؤال

لدي والد سيئ، وصعب التعامل، وقد اكتفى بالعيش وحده هو وزوجته، وقد باع جميع عقاراته وأودع هذا المال بالبنوك، لكي يجني الفوائد الربوية، لكي يعيش عليها، فهي مصدر دخله الوحيد الآن، وقد طرد إخوتي من أمي المتوفاة، وبقيت عنده أخت من أمي، ويعاملها معاملة سيئة، ولقد قطعت معه الاتصال من قبل سنتين، وذلك لسوء معاملته لنا، والآن أنا أريد أن أتوجه إلى الله بكل كياني، ولكن أسمع وأقرأ أن الله لا يستجيب لدعوتي، ولا يتقبل طاعتي بسبب علاقتي المقطوعة بوالدي، فأصبحت في حيرة، هل أعيد حبل الاتصال بوالدي لكي يتقبل الله دعائي وطاعتي؟ وبهذا أكون جلبت الضرر لنفسي، فوالدي لا يعرف إلا نفسه وحب ذاته، أم أن أترك الإسلام من جذوره لكي أريح نفسي لأنه مهما عملت فلا فائدة؟ وكيف العمل مع الوالد الفاجر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرت عن أبيك من أكل للربا وتعاملات سيئة معك ومع إخوتك لا شك أنه مما لا يرضاه الشرع ولا يقره، ومع ذلك فإن تلك التصرفات لا تنزع عنه معنى الأبوة، ولا تسقط حقه في البر والصلة، فوجوب بر الوالد على الولد لا يسقط بحال، وقطيعته كبيرة لا تحل بحال مهما أساء الوالد أو ظلم، فإنه ليس بعد الكفر ذنب، وقد أمر الله الولد ‏ببر والده الكافر الذي يجاهده على الكفر، ولم يحل له قطيعته بذلك، قال تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون {لقمان:14 - 15}.

قال الشيخ/ السعدي -عند تفسير الآية الأخيرة-: ولم يقل: وإن جاهداك على أن ‏تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما؛ بل قال: فلا ‏تطعهما -أي: بالشرك-، ‏وأما برهما فاستمر ‏عليه، ولهذا قال: وصاحبهما في الدنيا معروفا -أي: ‏صحبة إحسان إليهما بالمعروف-، وأما ‏اتباعهما ‏وهما بحالة الكفر والمعاصي فلا تتبعهما.‏ اهـ.

وعليه؛ فإن الواجب عليك أن تبر والدك، وتحسن إليه، وتجتهد في ذلك ما أمكن، وأول ما عليك القيام به هو إنهاء القطيعة معه، ثم محاولة نصحه بالرفق واللين ليكف عن ما هو عليه من محرمات، فإن استجاب لك فنعما هي، وإلا فأد ما عليك من بر، وادع الله له بالهداية لعل الله تعالى يهديه ويغير حاله إلى الأفضل.

ثم اعلم أن العقوق -وإن كان معصية عظيمة- إلا أنه لا يستلزم منع استجابة الدعاء، أو قبول الأعمال، فالعاصي عموما قد يستجاب دعاؤه، وقد تقبل أعماله الصالحة مثله مثل غيره، كما نبهنا عليه في الفتوى رقم: 212575، والفتوى رقم: 21473.

فلتتب إلى الله تعالى، ولتسع في بر والدك والإحسان إليه، بغض النظر عن إساءته لك، ثم لتحذر كل الحذر من عواقب ما تفوهت به هنا؛ فإن ترك الإسلام لن يريحك، ولو توهمت ذلك أو زينه لك الشيطان، فالراحة كل الراحة في اتباع تعاليم الإسلام، وذلك وحده ما يضمن الراحة والسعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {النحل:97}، وقال: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى {طه:124}.

على أن الراحة الأخروية هي الراحة الحقة التي ينبغي أن تشغل الإنسان، ويضحي من أجلها، ويصبر في سبيل الحصول عليها.

أما راحة الدنيا: فتظل معرضة للمنغصات الكثيرة، ثم هي لا تدوم، فعاقبة المرء أن يموت ويعود إلى ربه، وحينها لن يرتاح إلا من أطاع الله وتمسك بدينه.

وراجع الفتويين: 147717، 251086 لمعرفة المزيد حول كيفية التعامل مع الوالد العاصي المسيء لأبنائه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة