شرح حديث: مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ... غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ

0 1051

السؤال

كيف يمكن أن نفهم بشكل أكبر بين قول إن الكبائر لا تكفرها سوى التوبة، وبين حديث: "من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. غفر له وإن كان فر من الزحف"؟
ونحن نعلم أن الفرار من الزحف من أكبر الكبائر، فهل هذا يعني أن هذا الدعاء يكفر الكبائر الأخرى ويصلح لها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث المذكور قد أخرجه أبو داود، والترمذي وقال: غريب، وصححه الحاكم، وجود المنذري إسناده.

ثم إن للعلماء مسالك في الجواب عما يفيده ظاهر الحديث من كون هذا الذكر يكفر كبائر الذنوب؛ فمنهم من التزم ذلك، وذهب إلى أن هذا الذكر يكفر الكبائر إلا ما كان متعلقا بحق آدمي، وأن هذا من فضل الله الواسع، ونقل هذا القول الحافظ عن أبي نعيم ولم يتعقبه، قال الحافظ -رحمه الله- في الفتح: ومن أوضح ما وقع في فضل الاستغفار ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث يسار وغيره مرفوعا: "من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف". قال أبو نعيم الأصبهاني: هذا يدل على أن بعض الكبائر تغفر ببعض العمل الصالح، وضابطه الذنوب التي لا توجب على مرتكبها حكما في نفس ولا مال، ووجه الدلالة منه أنه مثل بالفرار من الزحف وهو من الكبائر، فدل على أن ما كان مثله أو دونه يغفر إذا كان مثل الفرار من الزحف، فإنه لا يوجب على مرتكبه حكما في نفس ولا مال. انتهى.

ومن العلماء من حمل الحديث على أن هذا الذكر يكفر الصغائر وإن كان صاحبها مرتكبا لكبيرة الفرار من الزحف، والمعنى أن ارتكابه لتلك الكبيرة لا يمنع تكفير الصغائر بهذا الذكر، وإن كان هو لا أثر له في تكفير تلك الكبيرة؛ قال في دليل الفالحين: أي: غفرت صغائر ذنوبه المتعلقة بحق ربه، وإن كان قد اقترف ما هو من الكبائر، فلا يمنع ذلك من غفر الصغائر بالذكر المذكور. انتهى.

ومن العلماء من حمل هذا الوعد المترتب على هذا الذكر على من أتى به صادقا محققا لشروط التوبة، وإلى هذا يشير كلام القاري -رحمه الله- في المرقاة، فإنه قال في شرح هذا الحديث ما عبارته: ينبغي ألا يتلفظ بذلك إلا إن كان صادقا، وإلا يكون بين يدي الله كاذبا منافقا، ولذا روي: إن المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. انتهى.

وبكل حال؛ فهذا الحديث من أجل الأحاديث وأوضحها في فضل الاستغفار -كما قال الحافظ-، وينبغي لزوم ما ورد فيه وتكراره عسى أن يدرك العبد فضل ربه تعالى، وينبغي مع هذا الحرص على تكميل شروط التوبة والإتيان بها على وجهها، والله تعالى ذو الفضل العظيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات