معنى حديث: يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب، يقول لصاحبه...

0 232

السؤال

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب، يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك، وأظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب، أنى لنا هذا؟ فيقال لهما: بتعليم ولدكما القرآن ـ رواه الطبراني في الأوسط، أرجو شرح هذا الحديث، وما معنى: بتعليم ولدكما القرآن؟ وهل يعني أن أعلم الناس القرآن، أو أنشر دروسا لأحد الشيوخ في شرح وتعليم القرآن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالحديث المذكور صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وأما معنى الحديث، فقوله: كالرجل الشاحب ـ قال السيوطي في شرح ابن ماجههو المتغير اللون، والجسم، لعارض من العوارض، كمرض، أو سفر، ونحوهما، وكأنه يجيء على هذه الهيئة؛ ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن، كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة، حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة. انتهى.

والمعنى: أنه أتعب نفسه بصوم النهار ـ الهواجر ـ وقيام الليل، قال المجددي الحنفي في شرح ابن ماجه: كأنه يتمثل بصورة قارئه الذي أتعب نفسه بالسهر في الليل، والصوم في النهار. انتهى.

وقوله: الهواجر ـ جمع هاجرة، وهو نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، عند اشتداد الحر. انتهى من تحقيق المسند.

قال السندي: قوله: وراء تجارته ـ أي: قدامه تجارته، كأنه متحفظ بها. انتهى.

فالمعنى أن القرآن يتقدم صاحبه، ويتقدم كل تاجر، فقد سبق صاحب القرآن كل من قدم أي عمل، وقوله: فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله ـ قال البغوي في شرح السنة: وقوله: يعطى الملك بيمينه ـ لم يرد به أن شيئا يوضع في يديه، وإنما أراد به: يجعل له الملك والخلد، ومن جعل له شيء ملكا، فقد جعل في يده، ويقال: هو في يدك وكفك، أي: استوليت عليه. انتهى.

والوقار: قال القاري في المرقاة: تاج الوقار ـ أي المعزة، وفي النهاية: التاج ما يصاغ للملوك من الذهب، والجواهر. انتهى.

والحلتان: مثنى حلة، والحلة: إزار ورداء، ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين. انتهى من مختار الصحاح.

وهاتان الحلتان لا تعدلان بالدنيا وما فيها، والمعنى على رواية: بأخذ ولدكما ـ بين واضح؛ ولذلك لم نجد السندي شارح المسند تعرض له، ولا الغمري في شرح الدارمي، ومعناه: أي بتعلمه القرآن، كما في أول حديث بريدة: تعلموا سورة البقرة...

وأما قوله: بتعليم ولدكما القرآن ـ فالظاهر أن معناه: بتعليمكما ولدكما القرآن، فهو مصدر مضاف إلى مفعوله، ويحتمل أن تكون: أي بتعليم ولدكما الناس القرآن، وتكون مصدرا مضافا إلى فاعله، ويحتمل أن يكون المعنى: أي: بتعلم ولدكما القرآن، لتتفق مع الرواية الأخرى الصحيحة، ولم نجد أحدا من شراح الحديث تعرض لها، ويبقى أن تعليم القرآن للناس من أجل العبادات، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن، وعلمه. أخرجه البخاري.

وانظر الفتويين رقم: 144263، ورقم: 112408.

وما ذكرته داخل في التعليم، فالأول تعليم مباشر داخل في نص الحديث، والثاني تعليم بالدلالة، والأول أفضل، قال المناوي في فيض القدير: إن الدال على الخير كفاعله ـ يعني في مطلق حصول الثواب وإن اختلف الكم، والكيف، كما يأتي قال الراغب: والدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء، وقال الزمخشري: دللته على الطريق أهديته إليه، قال: ومن المجاز الدال على الخير كفاعله، ودله على الصراط المستقيم ـ ويدخل في ذلك دخولا أوليا، أولويا من يعلم الناس العلم الشرعي بتدريس، أو إفتاء. انتهى. 

فاحرص على هذين العملين الصالحين، لا سيما الأول منهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات