إطلاق لفظ الهوى والعشق على الله.. رؤية شرعية

0 178

السؤال

ما حكم من قال: "وافق الهوى الهوى" أي: هوى الله وهوى الرسول (في قصة القبلة)؟
وما حكم من يصف الله بأن ذوقه شفاف؟ مع العلم أن هذا الشخص داعية.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن قائل هذه العبارة يحتمل قصده أن مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- وافق مراد الله  تعالى، أو العكس.

وإذا كان كلامه محتملا فلا ينبغي إساءة الظن به، كما في الأثر عن عمر -رضي الله عنه-: "ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا".

ولكن ينبغي تنبيهه إلى ضرورة الحرص على استخدام الألفاظ الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، إذا تحدث عن الله ورسوله، وذلك أن اللفظ الشرعي أقوى وأعمق وأدل على مقصوده مما سواه، ولو نظرنا إلى نصوص الكتاب والسنة لم نجد إطلاق لفظ الهوى إلا في الهوى المذموم المخالف للهدى، ولذا جاءت النصوص بالنهي عن اتباعه، وذم من تركوا الهدى واتبعوا الهوى، كما قال الله تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون {المائدة:48}.

وقال الله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون {المائدة:49}.

وقال الله تعالى: فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين {القصص:50}.

وقال الله تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون {الجاثية:18}.

وقال الله تعالى: لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون {المائدة:70}.

وقال الله تعالى: يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب {ص:26}.

وقال الله تعالى: إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى {النجم:23}.

وقد منع أهل العلم قديما من قول المسلم أنه يعشق الله أو يهواه، أو أن الله يعشق عبده بدلا من قوله أنه يحب الله أو أن الله تعالى يحب عبده، كما في قوله تعالى: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه {المائدة:54}. فقد نقل شيخ الإسلام في "الفتوى الحموية الكبرى" عن أبي عبد الله محمد بن خفيف في كتابه الذي سماه "اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات" ما نصه: "وإن مما نعتقده ترك إطلاق تسمية "العشق" على الله تعالى, وبين أن ذلك لا يجوز لاشتقاقه ولعدم ورود الشرع به. وقال: أدنى ما فيه إنه بدعة وضلالة، وفيما نص الله من ذكر المحبة كفاية". اهـ.

وقال في "روضة المحبين" (ص 28 – 29) بعد تعريفه "للعشق": "وقد اختلف الناس هل يطلق هذا الاسم في حق الله تعالى؟ فقالت طائفة من الصوفية: لا بأس بإطلاقه. وذكروا فيه أثرا لا يثبت، وفيه: "فإذا فعل ذلك عشقني وعشقته". وقال جمهور الناس: لا يطلق ذلك في حقه سبحانه وتعالى، فلا يقال: "إنه يعشق"، ولا يقال: "عشقه عبده"، ثم اختلفوا في سبب المنع على ثلاثة أقوال؛ أحدها: عدم التوقيف -أي: عدم ورود النص- بخلاف المحبة. الثاني: أن العشق إفراط المحبة، ولا يمكن ذلك في حق الرب تعالى، فإن الله تعالى لا يوصف بالإفراط في الشيء، ولا يبلغ عبده ما يستحقه من حبه فضلا أن يقال: "أفرط في حبه". الثالث: أنه مأخوذ من التغير، كما يقال للشجرة المذكورة: "عشقة"، ولا يطلق ذلك على الله -سبحانه وتعالى-". اهـ.

وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في "إغاثة اللهفان" (2/133): "ولما كانت المحبة جنسا تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف، كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالى: ما يختص به ويليق به؛ كالعبادة، والإنابة، والإخبات، ولهذا لا يذكر فيها لفظ العشق، والغرام، والصبابة، والشغف، والهوى، وقد يذكر لها لفظ المحبة كقوله: "يحبهم ويحبونه [المائدة:54]، وقوله: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" [آل عمران: 31]، وقوله: والذين آمنوا أشد حبا لله" [البقرة:165]". اهـ.

وقال أبو الفرج ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (3/1011 – 1013) عند سياق ما يروى عن الصوفية من سوء الاعتقاد: "قال السراج: "وبلغني أن أبا الحسين النوري شهد عليه غلام الخليل أنه سمعه يقول: "أنا أعشق الله وهو يعشقني". فقال النوري: "سمعت الله يقول: "يحبهم ويحبونه [المائدة:54]، وليس العشق بأكثر من المحبة. اهـ.

ونكتفي بجواب سؤالك الأول، ونرحب بالباقي في رسالة أخرى، التزاما منا بنظام الموقع، من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة، يجاب السائل عن الأول منها فحسب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات