حكم اليد إذا بقيت عليها رائحة النجاسة، وحكم مس الكتب الدينية بها

0 363

السؤال

هناك قاعدة تقول: إن من لمس نجاسة جافة بيده، فإنها لا تتنجس، فهل ينطبق ذلك على رائحة هذه النجاسة الجافة؟ وهل يمكن أن تنتقل الرائحة؟ وما حكمها؟ علما أن وجود رائحة النجاسة على اليد دليل على وجود النجاسة، وإذا كانت لا تضر، فهل يمكن لمس الكتب الدينية بهذه اليد؟ وهل ذلك ينطبق على القذارات؟ أم إن القذارات تختلف باختلاف أنواعها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فليس من تخصصنا معرفة مدى إمكانية انتقال رائحة النجاسة من جسم لآخر؛ لأن هذا ليس مبحثا فقهيا، ولكن نقول: إن ما فهمناه من كلام أهل العلم يقتضي أن رائحة المجاور لا تضر، ولا تؤثر في طهورية المجاور له، خاصة إذا كان غير ملاصق له، وسننقل من كلام أهل العلم ما يؤيد هذا المعنى، قال ابن العربي في احكام القرآن: إذا تغير الماء بريح جيفة على طرفيه، وساحله، لم يمنع ذلك من الوضوء به, ولو تغير بها وقد وقعت فيه لكان ذلك تنجيسه له للمخالطة, والأولى مجاورة لا تعويل عليها. اهـ.

وقال الدسوقي في حاشيته: التغير بالمجاور الغير الملاصق لا يضر مطلقا، أي سواء تغير الريح أو اللون أو الطعم أو الثلاثة، كان التغير بينا أو لا، كان الماء قليلا أو كثيرا, وأما التغير بالمجاور الملاصق فيضر اتفاقا إن كان المتغير لونا أو طعما، كان التغير بينا أو لا، قل الماء أو كثر، وفي تغير الريح خلاف، والمعتمد الضرر, وأما التغير بالممازج فيضر مطلقا باتفاق. اهـ.

وفي المجموع للنووي: وقوله: كما لو تغير بجيفة بقربه ـ يعني جيفة ملقاة خارج الماء قريبة منه, وفي هذه الصورة لا تضر الجيفة قطعا، بل الماء طهور بلا خلاف. اهـ.

وفي شرح زاد المستقنع للشنقيطي: فالمجاور الذي لا يلتصق بالماء لا يضر مطلقا، لكن إذا التصق به ولم يكن متحللا، وغير اللون أو الطعم، فإنه يؤثر وجها واحدا، وأما إذا غير الرائحة ففيه خلاف، لكن الصحيح عند طائفة من العلماء أنه يؤثر، وإلى ذلك أشار بعض العلماء بقوله:

 ليس المجاور إذا لم يلتصق ... يضر مطلقا، وضر إن لصق.

في اللون، والطعم بالاتفاق ... كالريح في معتمد الشقاق. اهـ.

وفي تحقيق المطالب بشرح دليل الطالب: ما نصه: قال: أو بالريح من نحو ميتة.

وهذه حالة خاصة مما تغير فيه أحد أوصاف الماء ـ أي الريح ـ بنجاسة، ومع ذلك لا ينجس الماء بالاتفاق؛ لأن التغير لم يكن عن مخالطة، بل عن مجاورة، قال إبراهيم بن مفلح في المبدع: أو ما تروح بريح ميتة إلى جانبه، بغير خلاف نعلمه لأنه تغير مجاورة.

وقال ابن قاسم في حاشية الروض المربع: لأنه تغير مجاورة، كإن كان إلى جانب الماء جيفة، أو عذرة، أو غيرهما، فنقلت الريح رائحة ذلك إلى الماء، فتغير، ومنه لو سد فم الإناء بشجر، أو نحوه، فتغير منه الماء من غير مخالطة لشيء منه، وينضبط المجاور بما يمكن فصله، والممازج بما لا يمكن فصله، وإن كان مما يسمى مخالطة عند الإطلاق مجاورة في الحقيقة، فالنظر إلى تصرف اللسان، فإن أرباب اللسان قسموا التغير إلى مجاورة، ومخالطة. اهـ.

وعلى هذا؛ فإذا وجدت في اليد رائحة النجاسة بسبب مجاورتها للنجاسة بدون ملاصقة، فإنها تكون طاهرة، وأما مع ملاصقة النجاسة ففيها الخلاف المتقدم في كلام الدسوقي، وغيره.

ولا ينبغي مس كتب العلم، ونحوها باليد المتنجسة؛ تعظيما لها، وحذرا من امتهانها، وكذا كل مستقذر عرفا، فينبغي تجنب مس الكتب الدينية به، أو وضعها فيه، وانظر الفتوى رقم: 202267.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة