الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طهارة أسفل الخف والنعل بدلكه بالأرض المبتلة

السؤال

أعرف أنني إذا دست على نجاسة في الطريق، فيكفي دلكها بالشارع، أو البلاط، أو أي جزء من الأرض؛ وبذلك تزول النجاسة، فلو دست على نجاسة في الشتاء عندما تكون كل الأرض مبتلة، فهل يجزئ دلك الحذاء على الأرض المبتلة، كما يجزئ على الأرض الجافة؟ جزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فطهارة أسفل النعل بدلكه بالأرض، هو قول في مذهب الحنابلة، وهو خلاف المعتمد؛ فمعتمد المذهب أنه لا يطهر إلا بالغسل، وهو قول الجمهور.

ثم على القول بطهارته بدلكه بالأرض، فقد اختلفوا هل ذلك خاص بالنجاسة اليابسة، أو يعم اليابسة والرطبة، على قولين.

ثم القائلون بإجزاء الدلك بالأرض اختلفوا هل هذا تطهير له، أو يصيره معفوًّا عنه، على قولين.

ولا بد أن يكون ما يدلك به النعل أو الخف يابسًا غير مبتل؛ لأن دلكه بمبتل، ينجس ذلك المبتل، ولا يزيل النجاسة -كما اقتضته قواعدهم-.

وهاك ملخص ما في الإنصاف في هذه المسألة: قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْ الْحِذَاءِ، وَجَبَ غَسْلُهُ)، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ... وَعَنْهُ: يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالْأَرْضِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَقَالَ: اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. قُلْت: مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ ... وقيل: يجزئ دَلْكُهُ مِنْ الْيَابِسَةِ لَا الرَّطْبَةِ.

وَحَمَلَ الْقَاضِي الرِّوَايَاتِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ يَابِسَةً. وَقَالَ: إذَا دَلَكَهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ، لَمْ يُجْزِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَرَدَّهُ الْأَصْحَابُ. وَأَطْلَقَ ابْنُ تَمِيمٍ فِي إلْحَاقِ الرَّطْبَةِ بِالْيَابِسَةِ الوجهين...

فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ الدَّلْكُ: لَا يُطَهِّرُهُ، بَلْ هُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا يُطَهِّرُهُمَا بِحَيْثُ لَا يَنْجُسَانِ الْمَائِعُ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: فَإِنْ وَقَعَا فِي مَاءٍ يَسِيرٍ، تَنَجَّسَ، عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ: لَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: حُكْمُهُ حُكْمُ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ: يَطْهُرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. انتهى.

والحاصل أن طهارة أسفل الخف والنعل بدلكه بالأرض، خلاف قول الجمهور، وإن كان أرفق بالناس.

ولا بدّ أن يكون ما يدلكه به يابسًا لا مبتلًّا؛ لئلا تنتقل النجاسة، ولبيان مذاهب العلماء في انتقال النجاسة من جاف إلى رطب، أو مبتل تلاقيا، انظر الفتوى: 116329.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني