ما البرهان المقصود في الحديث: "وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا...؟

0 934

السؤال

ما البرهان الذي جاء في الحديث: "وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه برهان"

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فهذا الحديث متفق على صحته من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، ثم إن العلماء مختلفون في معنى الكفر الوارد في الحديث، فقال بعضهم هو: المعاصي. وعليه؛ فتكون المنازعة بالإنكار، وبيان الحق، لا بالخروج عليهم، ومنهم من حمل الكفر على ظاهره، فيكون معنى المنازعة الخروج عليهم.

وأما البرهان فالمراد به النص القاطع، والدليل البين على كون هذا الفعل كفرا بواحا على كلا التأويلين المذكورين، قال في دليل الفالحين: قال المصنف -يعني النووي- والمراد بالكفر هنا المعاصي (عندكم فيه من الله تعالى برهان) أي: حجة بينة وأمر لا شك فيه: أي: بل تعلمونه من دين الله. ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في أمورهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقوموا بالحق حيثما كنتم. وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام. فهذا قول من حمل الكفر على معنى المعاصي.

وقال العيني في عمدة القاري: قوله: إلا أن تروا كفرا أي: بايعنا قائلا: إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، إذ عند ذلك تجوز المنازعة بالإنكار عليهم. وقال النووي: المراد بالكفر هنا المعاصي، وقال الكرماني: الظاهر أن الكفر على ظاهره، والمراد من النزاع القتال.... قوله: برهان أي: نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل. انتهى.

وممن حمل لفظ الكفر على ظاهره الشيخ ابن عثيمين فقال -رحمه الله-: قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان" ثلاثة شروط، إذا رأينا هذا وتمت الشروط الثلاثة فحينئذ ننازع الأمر أهله، ونحاول إزالتهم عن ولاية الأمر، لكن بشروط:

الأول: أن تروا، فلا بد من علم، أما مجرد الظن، فلا يجوز الخروج على الأئمة.

الثاني: أن نعلم كفرا لا فسقا. الفسوق، مهما فسق ولاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم؛ لو شربوا الخمر، لو زنوا، لو ظلموا الناس، لا يجوز الخروج عليهم، لكن إذا رأينا كفرا صريحا يكون بواحا.

الثالث: الكفر البواح: وهذا معناه الكفر الصريح، البواح الشيء البين الظاهر، فأما ما يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج عليهم، يعني لو قدرنا أنهم فعلوا شيئا نرى أنه كفر، لكن فيه احتمال أنه ليس بكفر، فإنه لا يجوز أن ننازعهم أو نخرج عليهم، ونولهم ما تولوا. لكن إذا كان بواحا صريحا، مثل: لو أن وليا من ولاة الأمور قال لشعبه: إن الخمر حلال، اشربوا ما شئتم، وإن اللواط حلال، تلوطوا بمن شئتم، وإن الزنى حلال ازنوا، بمن شئتم، فهذا كفر بواح ليس فيه إشكال، هذا يجب على الرعية أن يزيلوه بكل وسيلة، ولو بالقتل؛ لأن هذا كفر بواح.

الشرط الرابع: عندكم فيه من الله برهان، يعني عندنا دليل قاطع على أن هذا كفر، فإن كان الدليل ضعيفا في ثبوته، أو ضعيفا في دلالته، فإنه لا يجوز الخروج عليهم؛ لأن الخروج فيه شر كثير جدا ومفاسد عظيمة. انتهى.

وبكل تقدير؛ فلا يختلف العلماء في أن إنكار المنكر واجب بحسب القدرة، وأن الخروج على الأئمة إن فسقوا غير جائز، وأن الخروج عليهم بالقتال لا يجب إلا أن يأتوا بكفر بواح فيه نص قاطع يدل على كونه كذلك، فإن قلنا: المراد بالكفر المعاصي؛ فالمنازعة هي بالإنكار بحسب الاستطاعة، لا بالخروج، والبرهان هو النص القاطع على كون ذلك الفعل معصية لا تأويل لهم فيه.

وإن قلنا: المراد بالكفر ظاهره؛ فالمنازعة هي بالقتال، وهذا لا يجوز إلا أن يكون الكفر بواحا في كونه كذلك نص قاطع ودليل بين، فالبرهان بكل حال هو النص القاطع، والدليل البين الذي لا يحتمل التأويل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات