تصديق الكاهن بين الكفر وعدمه

0 128

السؤال

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهنا، أو عرافا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد.
سؤالي هو: هل التصديق الذي يخرج من الملة، هو كل كلام العراف، أم ما يدعي من علم الغيب فقط، أم بمعنى آخر؟
فهل يجوز تصديقه في الكلام الذي يتكلم به عامة الناس؟ وهل يحكم بالظاهر، وإن قصد غير ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فتصديق الكاهن الذي يعتبر كفرا، هو تصديقه فيما يزعم من علم الغيب، وليس في كل خبر يخبر به، فلو أخبرك العراف، أو الكاهن أن جاره قد زاره بالأمس، فتصديقه هنا لا يعتبر كفرا، ولو أخبرك عن أمر قد وقع ومضى وليس مستقبلا، فليس تصديقه هنا كفرا.

ويدل على جواز تصديقه فيما أخبر بحصوله من دون ادعاء للغيب، ما رواه البخاري في الأدب المفرد -وصححه الألباني- عن عمرة الأنصارية أن عائشة -رضي الله عنها- دبرت أمة لها، فاشتكت عائشة، فسأل بنو أخيها طبيبا من الزط، فقال: إنكم تخبروني عن امرأة مسحورة، سحرتها أمة لها، فأخبرت عائشة قالت: سحرتيني؟ فقالت: نعم، فقالت: ولم؟ لا تنجين أبدا. ثم قالت عائشة: (بيعوها من شر العرب ملكة) .اهــ.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الشيء المحرم الذي لا يجوز تصديقه، إذا أخبر بشيء مستقبل، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه من الكهانة، والكهانة حرام التصديق بها (ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) فالشيء الماضي ليس غيبا؛ لأنه مشاهد معلوم، ولكنه قد يكون غيبا بالنسبة لأحد دون أحد، ولا يمتنع أن يعلم به أحد من الجن، فيخبر به صاحبه هذا. اهـ.
وقال أيضا: ومن صدق أحدا أخبره عن أمر سيقع في المستقبل، فقد كفر بما أنزل على محمد؛ لأنه إذا صدق بالإخبار عن شيء في المستقبل، فقد كذب القرآن؛ لقوله تعالى: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله [النمل:65] فحصر علم الغيب بجانب الربوبية إلى الله, فمن صدق من يقول: إنه سيحصل في اليوم الفلاني كذا وكذا.. فقد كذب القرآن, ولهذا جاء في الحديث: (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد). اهـ.

وقال المناوي في فيض القدير: المراد إن مصدق الكاهن إن اعتقد أنه يعلم الغيب كفر، وإن اعتقد أن الجن تلقي إليه ما سمعته من الملائكة، وأنه بإلهام، فصدقه من هذه الجهة، لا يكفر . اهـ.
قال الخطابي: فالحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم، والرجوع إلى قولهم، وتصديقهم على ما يدعونه من هذه الأمور. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة