الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا تاب توبة نصوحا رجع إليه ثواب عمله الذي حبط بسبب المعصية

السؤال

ذهبت إلى عراف، لكنني تبت مباشرة بعد ذلك، فهل تقبل صلاتي الآن؟ أم أنني من الذين لا تقبل صلاتهم؟ وهل تقبل جميع أعمالي، والصلاة ـ فقط ـ هي التي تبطل؟ وهل دعواتي تبطل؟ وهل لا يقبل لي صيام أيضا؟ وهل صلوات الفرض فقط هي التي تبطل؟ أم جميع الصلوات؟ وبعد التوبة من الذنب، فهل تعود أعمالي التي حبطت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من أتى عرافا، فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة.

ولذلك، فإن إتيان العراف من الكبائر، التي تجب المبادرة بالتوبة منها.

قال القرطبي في تفسيره تعليقا على حديث مسلم: وَكُلُّ ذلك من الكبائر، لقول عليه السلام: لم تقبل له صلاة أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. اهـ.

فالحمد لله الذي وفقك للمبادرة بالتوبة، من هذه الكبيرة مباشرة، ولهذا نرجو أن تكون توبتك مقبولة، وصلاتك وأعمالك المستوفية لشروط القبول مقبولة -إن شاء الله-، فقد وعد الله تعالى -ووعده الحق- من تاب إليه بالقبول؛ فقال سبحانه وتعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه، وغيره، وحسنه الحافظ ابن حجر، والألباني.

وأما قولك: وهل صلوات الفرض -فقط- هي التي تبطل؟ أم جميع الصلوات؟ فجوابه أن من أتى كاهنا، أو عرّافا.. لم تقبل جميع صلواته -فرضا كانت، أو نفلا- كما هو ظاهر عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: لم تقبل له صلاة.

وصلاة؛ نكرة في سياق النفي، وهي من ألفاظ العموم، كما قال العلماء.

وأما بطلانها بحيث يلزمه منه إعادتها، أو قضاؤها؛ فإن ذلك لا يجب عليه، إذا كان أدّاها بشروطها، وأركانها؛ فيقال له: عصى، وصحت.

قال النووي في شرح مسلم: أَمَّا عَدَمُ قَبُولِ صلاته، فمعناه أنه لا ثواب لَهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الفرض عنه، ولا يحتاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَةٍ، وَنَظِيرُ هَذِهِ: الصَّلَاةُ فِي الأرض المغصوبة، مجزئة، مسقطة للقضاء، ولكن لا ثواب فِيهَا... فَصَلَاةُ الْفَرْضِ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُتِيَ بِهَا على وجهها الكامل، ترتب عليها شيآن: سقوط الفرض عَنْهُ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ، فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْضٍ مغصوبة، حصل الأول، دون الثاني. انتهى.

وأما قولك: وبعد التوبة من الذنب هل تعود أعمالي التي حبطت؟ فجوابه: أن العبد إذا تاب توبة نصوحا، رجع إليه ثواب عمله الذي حبط بسبب المعصية، كما قال ابن القيم في الوابل الصيب: فإذا تاب العبد توبة نصوحًا، صادقة، خالصة، أحرقت ما كان قبلها من السيئات، وأعادت عليه ثواب حسناته. انتهى.

وللمزيد من الفائدة والتفصيل عن هذا الموضوع انظر الفتوى: 157527.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني