حكم من لم يحج مع استطاعته

0 98

السؤال

نعلم اختلاف أهل العلم في مسألة الحكم على من ملك نفقات الحج ولم يحج دون جحود منه لفريضة الحج .. بين مكفر له عند الموت، وغير مكفر، فهل قال أحد بكفره حال حياته، وأنه مرتد؟ حيث سمعت من يصف نفسه بالباحث الإسلامي يقول بهذا.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فاعلم أن عامة أهل العلم لا يرون كفر تارك الحج مادام مقرا بفرضيته، وإن مات وهو تارك له مع قدرته عليه مات عاصيا عند عامة العلماء، ولا يكون بذلك كافرا، وأما قوله تعالى: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين {آل عمران:97}.

ونحوه من النصوص فمحمول على التغليظ، قال ابن كثير: وقوله تعالى: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ـ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه.

وقال القاسمي: وقوله: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ـ إما مستأنف لوعيد من كفر به تعالى، لا تعلق له بما قبله، وإما أنه متعلق به ومنتظم معه، وهو أظهر وأبلغ.

والكفر، على هذا، إما بمعنى جحد فريضة الحج، أو بمعنى ترك ما تقدم الأمر به، ثم ذكر ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا، وذلك أن الله تعالى يقول: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ـ قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وقد روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي عن عمر بن الخطاب قال: من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا ـ قال ابن كثير: إسناده صحيح إلى عمر ـ رضي الله عنه ـ وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجلا إلى هذه الأمصار، فينظروا إلى كل من كان عنده جدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين.

قال السيوطي في الإكليل: وقد استدل بظاهر الآية ابن حبيب على أن من ترك الحج، وإن لم ينكره، كفر، ثم قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر: من كان يجد وهو موسر صحيح ولم يحج، كان سيماه بين عينيه كافر، ثم تلا هذه الآية. انتهى.

فعلم بما مر أن القول بكفر تارك الحج هو قول ابن حبيب، واستظهر ابن رجب في جامع العلوم والحكم أنه رأي عمر رضي الله عنه، قال ابن رجب: وكذلك روي عن عمر فيمن تمكن من الحج ولم يحج أنهم ليسوا بمسلمين، والظاهر أنه كان يعتقد كفرهم، ولهذا أراد أن يضرب عليهم الجزية يقول: لم يدخلوا في الإسلام بعد، فهم مستمرون على كتابيتهم. انتهى.

وحكاه القرطبي في تفسيره عن الحسن، قال القرطبي: قال ابن عباس وغيره: المعنى ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجبا، وقال الحسن البصري وغيره: إن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر. انتهى.

لكن عامة أهل العلم على ما ذكرنا من كونه إن مات مات عاصيا، وهل يأثم بتعمد التأخير أو لا؟ لهم في ذلك قولان مبنيان على أن الحج هل يجب على الفور أم على التراخي؟ والصواب وجوبه على الفور وأن من أخره لغير عذر فهو عاص لله تعالى، ومن مات والحال هذه فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات