نصائح لمن ابتلي بضيق الرزق ودعا ولم يستجب له

0 112

السؤال

مشكلتي مع الدعاء، فمنذ سنوات وأبي وأمي من قبلي يدعوان الله ليغنيهما، ويزيل عنهما الفقر، ولا زالت أحمالهم في ازدياد من دون زيادة في الرزق -والحمد لله-، ونحن أولادهم نعاني من نفس الشيء، ندعو الله بالرزق فلا يستجاب لنا، حيث نعطى أسباب الرزق ولا نرزق، ولم نترك شرطا من شروط الدعاء إلا فعلناه، ولا مانعا من موانع الدعاء إلا اجتنبناه، ولا وقتا من أوقات استجابة الدعاء إلا بكثرة الدعاء والإلحاح فيه استغللناه، ولا نرى إلا الهم والغم، وقد تعبنا، وعزم بعضنا على أنه إن سنحت له الفرصة أن يغتني بالحرام، فلن يتردد في ذلك، فأفيدونا بجواب شاف، وليس بتفسير فقط؛ لأننا عازمون على ما لا نحب، ولا نبغي، ولكن ضاق بنا الحال.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

 فههنا أمور ببيانها ينجلي لك وجه الصواب، وتتبين حقيقة الأمر.

أولا: زعمك أنكم استوفيتم شروط الدعاء وأركانه، إحسان ظن بالنفس لا ينبغي، ثم هو مناف للحقيقة، فمن تلك الشروط: ألا تعجل، مهما تأخرت الإجابة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت، فلم يستجب لي. أخرجاه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

ثانيا: ليست صورة الإجابة منحصرة في تحقق المطلوب، بل قد تكون ثمرة دعائك أن يصرف الله عنك من السوء نظير ما دعوت به، وقد تكون أن يدخر لك ثواب دعائك يوم القيامة، وإنما لا يحصل لك ما دعوت به، ويعوضك الله غيره؛ لما تقتضيه حكمته سبحانه، وفي الحديث: ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" قالوا: إذن نكثر، قال: "الله أكثر". أخرجه أحمد من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-.

ثالثا: المؤمن الحق يفوض أمره لله تعالى، ويرضى بما يقسمه له، عالما أن الخير كله فيما يقدره ويقضيه، وأن عقله قاصر عن إدراك المصالح على وجهها، وأنه قد يكره الشيء وفيه الخير له، وقد يحب الشيء وفيه الشر له، كما قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة:216}، فقد يكون الابتلاء بتضييق الرزق وتقتيره مصلحة لكم من حيث لا تشعرون، كما في الحديث القدسي: وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة، فأكفه عنه، ولو أعطيته إياه لدخله العجب، وأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح له إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك. رواه ابن عساكر، وابن أبي الدنيا، وقال السيوطي: فيه صدقة بن عبد الله السمين، ضعفه أحمد، والبخاري، وقال أبو حاتم: محله الصدق. انتهى بتصرف.

رابعا: المؤمن أشد حرصا على صلاح قلبه واستقامته، منه على سعة رزقه، ونحو ذلك، وقد طويت الدنيا عن خيار المؤمنين، فليس بسطها علامة محبة الله للعبد، ولا قبضها علامة بغضه للعبد، بل هي ابتلاءات جارية على مقتضى الحكمة، يبلو الله عباده من يشكره، ومن يكفره، ومن يصبر على البلاء، ومن يأسى ويجزع، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، قال تعالى: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن {الفجر:15-16}.

خامسا: من أصول السعادة وراحة البال الرضا بما يقسمه الله تعالى للعبد، ويعين على ذلك أن تنظر إلى من هو دونك في الدنيا؛ لتعلم أنك بخير، وأن ما أوتيت من الدنيا شيء كثير، وأن حالك يفضل حال كثيرين قد ضيق عليهم أكثر مما ضيق عليك، ونالهم من البلاء أضعاف ما نالك، فتحمد الله على العافية، وتعرف فضله عليك، وإحسانه إليك، وبره بك، قال صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم. أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

فتأملك هذه المعاني التي ذكرناها يعينك على الرضا بالمقسوم، والاستمرار في الاجتهاد في الدعاء بخير الدنيا والآخرة، مع التسليم لحكم الله، والعلم أن اختياره للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات