أضواء على قول النبي: اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء، وقوله: الولاء لمن أعتق

0 97

السؤال

هل يجوز عدم إخبار المشترط بحرمة شرطه، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال لعائشة: (أعتقيها، واشترطي لهم الولاء)، ثم خرج على المنبر وقال (إنما الولاء لمن أعتق).

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

 فلا يجوز لمن علم بطلان الشرط أن يقر مشترطه على اشتراطه تغريرا به وخداعا له؛ لأن الدين النصيحة؛ ولأن الشرع لا يأذن بالإقرار على باطل ومنكر، وأما قصة بريرة المذكورة، فهي إما محمولة على الخصوصية لأجل تأكيد بطلان الشرط، وإما أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا ردعا وزجرا لهؤلاء لما عرفوا بطلان الشرط، وأصروا على اشتراطه، وقد جود النووي في شرح مسلم هذا الموضع، فذكر الإشكال، ثم بين وجوه الجواب عنه، ونحن نسوق عبارته بكمالها للفائدة، قال عليه الرحمة:

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم (اشتريها واعتقيها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق) وهذا مشكل من حيث إنها اشترتها وشرطت لهم الولاء وهذا الشرط يفسد البيع، ومن حيث إنها خدعت البائعين وشرطت لهم ما لا يصح ولا يحصل لهم، وكيف أذن لعائشة في هذا؟ ولهذا الإشكال أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته وهذا منقول عن يحيى بن أكثم واستدل بسقوط هذه اللفظة في كثير من الروايات، وقال جماهير العلماء هذه اللفظة صحيحة واختلفوا في تأويلها فقال بعضهم: قوله: اشترطي لهم أي عليهم كما قال تعالى: لهم اللعنة بمعنى عليهم، وقال تعالى: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها أي فعليها، وهذا منقول عن الشافعي والمزني وقاله غيرهما أيضا وهو ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم الاشتراط، ولو كان كما قاله صاحب هذا التأويل لم ينكره، وقد يجاب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أنكر ما أرادوا اشتراطه في أول الأمر، وقيل معنى اشترطي لهم الولاء أظهري لهم حكم الولاء، وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنه صلى الله عليه وسلم كان بين لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل فلما ألحوا في اشتراطه ومخالفة الأمر قال لعائشة هذا، بمعنى لا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط باطل مردود لأنه قد سبق بيان ذلك لهم، فعلى هذا بمعنى لا تكون لفظة اشترطي هنا للإباحة، والأصح في تأويل الحديث ما قال أصحابنا في كتب الفقه إن هذا الشرط خاص في قصة عائشة، واحتمل هذا الإذن وإبطاله في هذه القصة الخاصة وهي قضية عين لا عموم لها، قالوا والحكمة في إذنه ثم إبطاله أن يكون أبلغ في قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن مثله كما أذن لهم صلى الله عليه وسلم في الإحرام بالحج في حجة الوداع ثم أمرهم بفسخه وجعله عمرة بعد أن أحرموا بالحج، وإنما فعل ذلك ليكون أبلغ في زجرهم وقطعهم عما اعتادوه من منع العمرة في أشهر الحج، وقد تحتمل المفسدة اليسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة. انتهى.

فإذا علمت ما مر فمن غر المشترط بأن أوهمه صحة الشرط، فالصحيح الذي رجحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله أن للمشترط الخيار إن كان جاهلا بالحكم، قال رحمه الله:

إذا كان الشرط باطلا هل نقول للذي اشترطه لنفسه: لك الخيار لفوات ذلك عليك، يعني: لنفرض أن بائعا شرط شرطا فاسدا لا يمكن الوفاء به، هل نقول: إن له الخيار أو لا؟ الجواب: في ذلك تفصيل إن كان عالما بالحكم فلا خيار له على أنه مستهتر أو متهاون، وإن كان غير عالم فله الخيار. ففي هذا الحديث: لو أن رجلا باع عبدا واشترط على المشتري أنه إن أعتقه فالولاء له فوافق المشتري، من المعلوم أن القيمة سوف تنقص، البائع إذا كان بيعه بلا شرط بمائة، يبيعه بشرط تسعين فينقص من أجل الشرط، هذا رجل باعه فقلنا: إن هذا الشرط باطل ولا يمكن الوفاء به، فهل نقول للبائع: الخيار إن شاء أمضى البيع بتسعين وإن شاء رده، فيه التفصيل الذي ذكرنا، إن كان يعلم أن هذا الشرط فاسد فإنه لا خيار له؛ لأنه دخل على بصيرة، وإن كان لا يعلم لظنه أنه شرط صحيح فله الخيار هذا هو القول الراجح، وقال بعض العلماء: لا خيار له مطلقا؛ لأنه فرط، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لهؤلاء خيارا -لأهل بريرة-؛ لأن من المعلوم أن بريرة عتقت تحت ملك عائشة، ولكن الصحيح أن له الخيار إذا كان جاهلا، وظاهر الحديث أن أهل بريرة كانوا قد علموا ذلك لكنهم تجرءوا بدليل قوله: "خذيها ... إلخ"، وبدليل أن الرسول خطب واستنكر هذا الشيء، ومثل هذا الأمر لا يكون إلا بعد أن يعلم أن الأمر متقرر عندهم. انتهى من شرح الشيخ على بلوغ المرام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات