قلّد من لا يسوغ تقليده في مسافة قصر الصلاة ونقل فتواه لغيره ثم تبين خطؤه

0 86

السؤال

منذ سنوات كنت أقلد شخصا يجيز الجمع عند الانتقال بين عمان وجرش -مدينتان في الأردن، لا تصل المسافة بينهما إلى 80 كيلو-، ثم علمت أنه لا يسوغ لي تقليد هذا الشخص، فماذا أفعل في الصلوات التي صليتها جمعا في تلك الأيام؟ وأذكر أنني مرة نقلت الفتوى لمجموعة من صديقاتي، وأنا لا أتذكرهن جميعا، فهل علي إخبار من أتذكر منهن بأن يعدن الصلاة؟ وماذا عن من لا أتذكرهن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فالعلماء مختلفون خلافا كبيرا في المسافة المبيحة للترخص برخص السفر، وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن ذلك لا يتقيد بمسافة معينة، وإنما يتقدر بالعرف، فما كان في عرف الناس سفرا، فهو مبيح للترخص، ورجح هذا القول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-، وهذا القول وإن كان خلاف ما نفتي به، لكن تقليد من يفتي به سائغ لا حرج فيه.

فإن كانت المسافة بين تينك البلدتين يسمى من يقطعها في عرفكم مسافرا، فلا حرج عليك فيما فعلته من الترخص بالجمع والقصر، ولا إعادة عليك لما مضى.

وأما فيما يستقبل، فإنك تقلدين من تثقين بقوله من أهل العلم، وراجعي الفتوى رقم:169801.

ومن العلماء من يقيد المسافة بما دون أربعة برد بكثير، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وروي عن ابن عمر أنه كان يقصر في مسيرة عشرة فراسخ.

قال ابن المنذر: ثبت أن ابن عمر كان يقصر إلى أرض له، وهي ثلاثون ميلا. وروي نحو ذلك عن ابن عباس، فإنه قال: يقصر في اليوم، ولا يقصر فيما دونه. وإليه ذهب الأوزاعي. وقال: عامة العلماء يقولون: مسيرة يوم تام. وبه نأخذ... وروي عن جماعة من السلف -رحمة الله عليهم- ما يدل على جواز القصر في أقل من يوم، فقال الأوزاعي: كان أنس يقصر فيما بينه وبين خمسة فراسخ. وكان قبيصة بن ذؤيب، وهانئ بن كلثوم، وابن محيريز يقصرون فيما بين الرملة وبيت المقدس. وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه خرج من قصره بالكوفة حتى أتى النخيلة، فصلى بها الظهر والعصر ركعتين، ثم رجع من يومه، فقال: أردت أن أعلمكم سنتكم. وعن جبير بن نفير، قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر ميلا، أو ثمانية عشر ميلا، فصلى ركعتين، فقلت له، فقال: رأيت عمر بن الخطاب يصلي بالحليفة ركعتين، وقال: إنما فعلت كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. رواه مسلم.

وروي أن دحية الكلبي خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر، وأفطر معه أناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته، قال: والله، لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه، إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول ذلك للذين صاموا قبل رواه أبو داود. وروى سعيد، ثنا هاشم، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فرسخا، قصر الصلاة. وقال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ، صلى ركعتين. شعبة الشاك. رواه مسلم. وأبو داود. انتهى.

 وذهب ابن حزم إلى أن من خرج مسافة ميل قصر، وأطال في المحلى في ذكر آثار السلف في المسألة.

وهذه الأقوال كلها وإن كانت خلاف قول الجمهور، وخلاف ما نفتي به ونعتمده، لكن العمل بالقول المرجوح بعد وقوع الفعل، ومشقة التدارك، مما سوغه كثير من أهل العلم، كما ذكرناه في الفتوى رقم: 125010.

وعليه؛ فنرى أنه يسعك ألا تعيدي شيئا من تلك الصلوات، ومن أمكنك إخباره بأن تلك الفتوى خلاف قول الجمهور ومذاهبهم، فينبغي لك إخباره بذلك؛ لتبرأ ذمتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة