هل أجر من رجع عن الصدقة بعد العزم كأجر المتصدِّق إن دلّه عليها؟

0 17

السؤال

تمر بي حالات أناس محتاجين للصدقة، فأجد في البداية عزما على الصدقة بما لدي من مال، ثم أبخل، وأتذكر حاجتي للمال، فأخبر المحسنين بحالتهم، وأسعى في جمع المال لهم؛ حتى أسد حاجتهم، فهل أجري الآن وقد سددت حاجتهم من مال المحسنين، مثل أجري لو سددت حاجتهم من مالي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن النية المجردة لا تلزم بها الصدقة، قال ابن قدامة في المغني: وقد انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر، وشرع في الصدقة به، فأخرج بعضه، لم تلزمه الصدقة بباقيه. اهـ.

وفي كشاف القناع: ومن أخرج شيئا يتصدق به، أو وكل في ذلك، أي: الصدقة به (ثم بدا له) أن لا يتصدق به (استحب أن يمضيه) ولا يجب؛ لأنه لا يملكها المتصدق عليه إلا بقبضها .. اهـ.

ولا شك أن إمضاء الصدقة أفضل من الرجوع عنها بعد العزم، ولكن الرجوع عن الصدقة بعد العزم عليها من غير مسوغ شرعي، ربما يكون أمارة على البخل، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم البخيل، الذي يضيق صدره بالصدقة، فلا يخرجها، فقال: مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق، فلا ينفق إلا سبغت، أو وفرت على جلده؛ حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل، فلا يريد أن ينفق شيئا، إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع. رواه البخاري. قال الحافظ في الفتح: والمراد: أن الجواد إذا هم بالصدقة، انفسح لها صدره، وطابت نفسه، فتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة، شحت نفسه، فضاق صدره، وانقبضت يداه، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. اهـ.

وأما هل تؤجرين كأجر المتصدقين، أو كأنك أنت المتصدقة ما دمت قد سعيت في دفع حاجة المحتاجين، فالجواب:

نرجو أن تؤجري -إن شاء الله- على سعيك كأجر المتصدقين أنفسهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من دل على خير، فله مثل أجر فاعله. رواه أبو داود، وعند أحمد في المسند: من دل على خير، فله مثل أجر فاعله. والله عز وجل يقول: إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين {يس:12}، قال السعدي: ونكتب ما قدموا من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها، وباشروها في حال حياتهم، {وآثارهم}، وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم، وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم، وأفعالهم، وأحوالهم. اهـ.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الدال على الخير كأجر الفاعل في أصل الثواب، لا في المقدار، وذهب بعضهم إلى أنه كأجر الفاعل في أصل الثواب وفي المقدار سواء، وقد فصلنا هذا في الفتوى: 319507.

والله تعالى أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة