شرب المباح على هيئة شرب الخمر

0 36

السؤال

ما حكم فعل المباح بنية الحرام، كشرب العصير في كأس؛ وذلك للاستمتاع والتمثيل أنه خمر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه يحرم شرب المباح على هيئة شراب الخمر، ويعزر فاعله، وذكر بعض العلماء أنه يحرم أيضا على الشخص شرب المباح، وهو يتصور بين عينيه أنه خمر، جاء في حاشية ابن عابدين: ذكر بعض الشافعية أنه كما يحرم النظر لما لا يحل، يحرم التفكر فيه؛ لقوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} [النساء:32]، فمنع من التمني، كما منع من النظر، وذكر العلامة ابن حجر في التحفة أنه ليس منه ما لو وطئ حليلته متفكرا في محاسن أجنبية؛ حتى خيل إليه أنه يطؤها، ونقل عن جماعة -منهم الجلال السيوطي، والتقي السبكي- أنه يحل لحديث: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ولا يلزم من تخيله ذلك عزمه على الزنى بها؛ حتى يأثم إذا صمم على ذلك لو ظفر بها، وإنما اللازم فرض موطوءته تلك الحسناء، وقيل: ينبغي كراهة ذلك، ورد بأن الكراهة لا بد لها من دليل.

وقال ابن الحاج المالكي: إنه يحرم؛ لأنه نوع من الزنى، كما قال علماؤنا: فيمن أخذ كوزا يشرب منه، فتصور بين عينيه أنه خمر فشربه، أن ذلك الماء يصير حراما عليه. اهـ. ورد بأنه في غاية البعد، ولا دليل عليه اهـ. ملخصا.

ولم أر من تعرض للمسألة عندنا، وإنما قال في الدرر: إذا شرب الماء، وغيره من المباحات بلهو، وطرب، على هيئة الفسقة، حرم. اهـ.

والأقرب لقواعد مذهبنا: عدم الحل؛ لأن تصور تلك الأجنبية بين يديه يطؤها، فيه تصوير مباشرة المعصية على هيئتها، فهو نظير مسألة الشرب، ثم رأيت صاحب تبيين المحارم من علمائنا نقل عبارة ابن الحاج المالكي، وأقرها، وفي آخرها حديث عنه صلى الله عليه وسلم: إذا شرب العبد الماء على شبه المسكر، كان ذلك عليه حراما. اهـ.

وجاء في طرح التثريب: كما اشترطوا النية في العبادة، اشترطوا في تعاطي ما هو مباح في نفس الأمر أن لا يكون معه نية تقتضي تحريمه، كمن جامع امرأته، أو أمته ظانا أنها أجنبية، أو شرب شرابا مباحا وهو ظان أنه خمر، أو أقدم على استعمال ملكه ظانا أنه لأجنبي، ونحو ذلك، فإنه يحرم عليه تعاطي ذلك؛ اعتبارا بنيته، وإن كان مباحا له في نفس الأمر، غير أن ذلك لا يوجب حدا، ولا ضمانا؛ لعدم التعدي في نفس الأمر، بل زاد بعضهم على هذا بأنه لو تعاطى شرب الماء وهو يعلم أنه ماء، ولكن على صورة استعمال الحرام، كشربه في آنية الخمر في صورة مجلس الشراب، صار حراما؛ لتشبهه بالشربة، وإن كانت النية لا يتصور وقوعها على الحرام، مع العلم بحله، ونحوه: لو جامع أهله وهو في ذهنه مجامعة من تحرم عليه، وصور في ذهنه أنه يجامع تلك الصورة المحرمة، فإنه يحرم عليه ذلك، وكل ذلك لتشبهه بصورة الحرام. اهـ.

وجاء في كشاف القناع: يحرم التشبه بشراب الخمر، ويعزر فاعله، وإن كان المشروب مباحا في نفسه، فلو اجتمع جماعة ورتبوا مجلسا، وأحضروا آلات الشراب، وأقداحه، وصبوا فيها السكنجبين، ونصبوا ساقيا يدور عليهم، ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويجيء بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم، حرم ذلك، وإن كان المشروب مباحا في نفسه؛ لأن في ذلك تشبها بأهل الفساد.

قال الغزالي في الإحياء في كتاب السماع: ومعناه قول الرعاية: ومن تشبه بالشراب في مجلسه، وآنيته، وحاضر من حاضره بمحاضر الشراب، حرم، وعزر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة