حكمة الله في الابتلاء

0 7

السؤال

لماذا نتحمل متاعب الحياة؟ لماذا نعاني من الابتلاءات والمصائب؟ فأنا أعاني من إعاقة وألم لا يزول، فلماذا علي أن أتألم على الدوام؟ ولماذا يقدر الله كل الحوادث، والأمراض القاسية، التي لا يتحملها بشر؟ فبسبب كل ذلك، كرهت الحياة، ولم أعد أرغب فيها، فلماذا يبقيني الله حيا، وهو لا يحتاجني، وهو يعلم أني لا أريد شيئا من الدنيا؟ وإذا كان كل هذا من أجل الجنة، فلماذا جعل الطريق إليها قاسيا؟ ولماذا لا يسمح لنا بالرحيل؟ ولماذا علينا أن نسلك هذا الطريق الصعب؟ ولماذا يحتاج الله لكل هذه الرحلة المريرة؟ وما الفائدة من كل هذا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا بد هنا من بيان عدة نقاط:

أولا: الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، والله تعالى له الحكمة البالغة في جميع ما يقدره، ويقضيه، سواء عرف الإنسان تلك الحكمة، أم لم يعرفها، وكثيرا ما تخفى هذه الحكمة على الإنسان؛ لقصور عقله، وضعف فكره، ولكن لا ينفي هذا أن الله تعالى هو الحكيم العليم، الذي يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، وأن كل أفعاله جارية على مقتضى الحكمة، والعدل، والمصلحة -تبارك وتعالى-، ولا بد لكل مسلم أن يكون مؤمنا بهذا مسلما به.

ثانيا: الاعتراض، والجزع البادي في سؤالك، لا ينفعك بل يضرك، فإن قدر الله ماض عليك، سواء سخطت، أم رضيت، فمن رضي، فله الرضا، وقدر الله ماض، ومن سخط، فله السخط، وقدر الله ماض، فهذا امتحان يمتحنك الله تعالى به، والدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي نفسا من أنفاس الآخرة، وكل بلاء يذوقه العبد فيها، تنسيه إياه غمسة يغمسها في الجنة، وكل نعمة يذوقها -إن كان من الغاوين-، فإنه ينساها بغمسة يغمسها في النار، فإياك والاعتراض، والتسخط؛ فإن عاقبته وخيمة، وما يعقبه من الألم في الآخرة هو أضعاف ما تعانيه من ألم الدنيا، فليس أمامك إلا الصبر، والتسليم، والرضا بما يقدره الحكيم العليم.

ثالثا: الله تعالى لا يحتاج إليك، ولا إلى غيرك، ولا إلى أحد من خلقه، بل هو الغني عنهم، وهم الفقراء إليه، كما قال تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد {فاطر:15}.

وإنما يقدر على عباده ما يقدره؛ لما لهم في ذلك من المصالح، إن هم صبروا، وتجلدوا، ورضوا بحكمه سبحانه، قال تعالى: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم {التغابن:11}، قال علقمة: هو العبد تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.

رابعا: عليك بالصبر، والرضا، والتسليم؛ فإن ثواب الصبر لا يعدله ثواب، وأهل الصبر يوفون أجورهم بغير حساب، حتى إن أهل العافية ليودون أنهم قرضوا بالمقاريض؛ لما يرون من عظم جزاء الصابرين، فكل بلاء تتعرض له في الدنيا، لا نسبة بينه وبين فضل الله المذخور لك، إن أنت صبرت واحتسبت، والجنة سلعة الله الغالية، فلا بد لنيلها من التضحية والبذل، وليست تنال بالاتكاء على الأرائك، وسير الهوينا، وإنما قد حفها الله بالمكاره، فلا بد للعبد من القفز على أسوار المكاره، وأن يكون لسان حاله: وعجلت إليك رب لترضى {طه:84}.

ولا يمكن أن يكون الناس في الآخرة سواء، من آمن ومن كفر، من صبر ومن جزع، بل لا بد من الفرق بينهم، والتمييز بين محسنهم ومسيئهم، فحذار حذار أن يضيع أجرك، ويذهب حظك في الآخرة، فتبوء بخسارة الصفقتين -عياذا بالله-.

خامسا: في كلامك من سوء الأدب مع الله تعالى الشيء الكثير، فلا بد لك من التوبة النصوح، وتوطين نفسك على التسليم لحكم الله تعالى فيك، والعلم أنه حكم عدل، لا يظلم الناس شيئا.

سادسا: انظر إلى نعم الله عليك، وما أكثرها، فإنك مهما تفكرت في نعمه عليك، وأنه أعطاك أكثر مما سلبك، ومنحك أضعاف ما أخذ منك، حمدته سبحانه على فضله، وعرفت أنه مولي النعم، والمتفضل بالإحسان، وأنه تعالى أهل الثناء والمجد.

سابعا: الدنيا دار بلاء في حق كل أحد، ولكن أنواع البلاء تختلف وتتنوع، بحسب ما تقتضيه حكمة الله -جل اسمه-، فلا تحسبن أن أحدا يستريح فيها، وينال ما يتمناه، حاشا وكلا، بل هي مطبوعة على الكدر، مخلوطة بالآلام والنغص، ولا راحة للعبد المؤمن إلا بعد مفارقتها، حين يعاين ما أعده الله لعباده المتقين في الآخرة -نسأل الله أن يجعلنا وإياك منهم-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات