تعاهد الذرية بالتربية والإصلاح من أعظم أبواب البر

0 9

السؤال

في البداية: أنا لست مجنونا، لكن عندي سؤالا: لماذا يجب علي أن يكون عندي أطفال؟ وهل سأفيد العالم حقا بجيناتي الملعونة حقا، فأنا لا شيء، فما الدوافع لأنجب أطفالا، وأكدح طول عمري كي أكفل لهم المعيشة، وما تعرفونه من مسؤوليات؟ فهذا الطفل عندما يكبر ويجد نفسه في وطن مدمر، سيلعن اليوم الذي ولد فيه، كما أفعل أنا.
أنا محتار جدا ممن يحزنون لمجرد أنهم لا ينجبون، فلماذا ينجبون؟! ألكي يرى أبناؤهم هذه الدنيا المتوحشة الحقيرة، والظلم، ويروا دينهم مستضعفا في الأرض!؟ وإذا كان هناك من ينجب ليرعاه أولاده عندما يكبر، فتوجد دار للمسنين في كل دول العالم.
أنا أعلم أن الله يقول: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا " لكني لا أعرف لماذا؟
أنا أعرف أنني من الممكن أن تكون عندي مشكلة نفسية بسبب سوء وإهمال التربية، والأحوال الاجتماعية والمالية، وأني عشت حياة ضنكا -وما زلت-، وفكرت في الانتحار كثيرا.
أرجوكم أجيبوا إجابة منطقية بالنسبة لشخص جاهل مثلي: هل سيستفيد ديني، أو مجتمعي من أطفال شخص جاهل مثلي، شخص آخر طموحه أن يغير الدنيا، ويعز الإسلام بسببه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فكلامك هذا خلاف الفطرة، والعقل السليم؛ فإن قوة الأمم والمجتمعات إنما تكون في أفرادها، وهذا لا يكون إلا بالتناسل، وقد وضع الله هذه الغريزة في الناس ليتناسلوا، ويتكاثروا، ويمتد العمران البشري إلى الحين الذي قدره الله تعالى.

ثم إن القيام على الذرية، وتعاهدها بالتربية والإصلاح، من أعظم أبواب البر والخير، التي ترجى منها مثوبة الله تعالى، فالعبد لا ينفق نفقة يبتغي بها وجه الله إلا أجر عليها حتى ما ينفقه على زوجته، وعياله، كما نطقت بذلك النصوص.

فأنت إذا أنجبت، فسعيك على عيالك طاعة وقربة تتقرب بها إلى الله تعالى، وفي صحيح مسلم: وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة.

وعن عبد الله بن المبارك -رحمه الله- قال: لا يقع موقع الكسب على العيال شيء، ولا الجهاد في سبيل الله.

وقال -رحمه الله- وهو مع إخوانه في الغزو: "تعلمون عملا أفضل مما نحن فيه؟"، قالوا: "ما نعلم ذلك"، قال: "أنا أعلم"، قالوا: "فما هو؟"، قال: "رجل متعفف ذو عائلة، قام من الليل، فنظر إلى صبيانه نياما متكشفين، فسترهم، وغطاهم بثوبه، فعمله أفضل مما نحن فيه.

فإذا كان القيام على العيال، وتعاهدهم بهذه المنزلة عند الله تعالى، فلا يرغب عنه إلا محروم.

وهذه هي الفطرة التي فطر الله عباده جميعا -مسلمهم وكافرهم- عليها، فحب الذرية والأولاد مما لا ينفك عنه ذو فطرة سليمة.

وسبحان الله، لم لا يكون عز الإسلام على يد هذه الذرية!؟ وأي مانع من أن ينفع الله بهم دينه، وعباده، ويكونوا ذخرا للأمة، ومناط رفعة لها، وذلك إذا أحسنت تربيتهم وتعاهدهم!؟

ثم اعلم أن نفعك بولدك، لا يقتصر على قيامهم عليك عند كبرك وشيخوختك، بل إن ذلك يتعدى إلى ما بعد موتك، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

قال الدكتور محمد الصباغ -رحمه الله- في نظرات في الأسرة المسلمة: إن غريزة الامتداد في الذراري والأحفاد، لا يستطيع المرء السوي أن ينعم بها، إلا عن طريق الزواج.

فكما أحسن إليك والدك، فكان سبب وجودك في هذه الدنيا، فكذلك ينبغي بالنسبة إليك أن تقابل هذا الإحسان بالبر إليه، والوفاء له، فتنجب للدنيا نبتة كريمة، تتعهدها بالتربية والتهذيب، تحيي اسم والدك، ويكون عملها الطيب في سجلك. ويكفي الممتنع عن الإنجاب عقوقا أن يكون هو الشخص الأول الذي يقطع هذه السلسلة التي تبدأ بآدم، وتنتهي به. اهـ.

والأمم لا تنهض إلا بسواعد أبنائها، ولا تتقدم إلا بجهدهم وعرقهم، فإذا فاتنا شرف النهوض بالأمة من كبوتها، فلا يفوتنا فضل إعداد جيل، عسى أن يقوم بهذه المهمة من بعدنا.

 ونوصيك بسماع محاضرات للدكتور محمد إسماعيل المقدم بعنوان: أمتي لا تنتحري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة