مدى مؤاخذة من يقع بمعصية حين الموت

0 16

السؤال

هل من الممكن أن يفعل العبد ذنبا أثناء الغرغرة (بلوغ الروح الحلقوم)، أو بعد الغرغرة أم لا؟
وهل ممكن أن يكون ذنب -أذنبه العبد أثناء الغرغرة، أو بعدها- سببا في دخول النار أم لا؟ أي ليس ذنبا قبل الغرغرة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فمن ارتكب معصية في حال الغرغرة، فإن كان زائل العقل، بحيث لا يقدر على التحكم في تصرفاته؛ فهو غير مؤاخذ؛ لأن قلم التكليف قد رفع عنه.

وأما إن كان غير زائل العقل؛ فالظاهر أنه مؤاخذ بما يقع منه من المعصية.

ومن المعلوم أن الشيطان يأتي المرء عند موته ليضله، وقد يأمره بالكفر، فإن أطاعه -والحالة هذه- دخل النار، عياذا بالله -تعالى- من النار.

وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه: وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت.

قال القاري: (وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان) أي: إبليس أو أحد أعوانه، قيل التخبط الإفساد، والمراد إفساد العقل والدين، وتخصيصه بقوله (عند الموت)؛ لأن المدار على الخاتمة. وقال القاضي: أي: من أن يمسني الشيطان بنزعاته التي تزل الأقدام، وتصارع العقول والأوهام، وأصل التخبط أن يضرب البعير الشيء بخف يده فيسقط. انتهى

وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: وقت الموت أحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني آدم؛ لأنه وقت الحاجة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: {الأعمال بخواتيمها}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: {إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها. وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ؛ فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها}.

ولهذا روي: أن الشيطان أشد ما يكون على ابن آدم حين الموت، يقول لأعوانه: دونكم هذا، فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبدا، وحكاية عبد الله بن أحمد بن حنبل مع أبيه وهو يقول: لا بعد، لا بعد: مشهورة. انتهى 

وأما حكاية عبد الله بن الإمام أحمد مع أبيه: فقد أخرجها أبو القاسم الأصبهاني بسنده في الحجة في بيان المحجة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما حضرت أبي الوفاة كنت عنده، وكان يغرق فيما هو فيه، وبيدي خرقة أمسح بها عينيه ساعة فساعة، ففتح أبي عينيه، وحدق بهما وأومأ بيده. وقال: لا بعد، لا بعد، دفعات، فقلت: يا أبت لمن تخاطب. فقال: هذا إبليس قائما بحضرتي، عاض على أنامله، يقول لي: يا أحمد فتني، فقلت: لا حتى نموت. انتهى 

وقال القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: وقد سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي بثغر الإسكندرية يقول: حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمد بن محمد القرطبي بقرطبة، وقد احتضر، فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فكان يقول: لا، لا. فلما أفاق ذكرنا له ذلك فقال: أتاني شيطانان عن يميني، وعن شمالي، يقول أحدهما: مت يهوديا، فإنه خير الأديان، والآخر يقول: مت نصرانيا، فإنه خير الأديان، فكنت أقول لهما: لا، لا، إلي تقولان هذا؟ انتهى

وراجع الفتوى: 100269.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة