مفهوم الزهد والورع في الإسلام

0 13

السؤال

ما قولكم في الاهتمام بالمظهر، والاعتناء بالجسم وصحته، وارتداء الملابس الأنيقة، ودراسة العلوم الدنيوية بغية التحسين من المكانة الاجتماعية، دون إهمال الواجبات التعبدية؟
وما هو مفهوم الزهد والورع في الإسلام؟
وما حكم ارتداء البنطال والقميص (ملابس الغرب)؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الاهتمام بالمظهر، ولبس الملابس الحسنة، ودراسة العلوم الدنيوية، هو من المباحات من حيث الأصل، قال تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون {الأعراف:32}.

وقد يؤجر العبد عليها إن نوى بها نية حسنة كإظهار نعمة الله، بنية شكره، وكدراسة العلوم الدنيوية النافعة؛ لينفع بها المسلمين. بل إن تعلم هذه العلوم من فروض الكفايات، كما بيناه في الفتوى: 307060.

ولا مدخل للرياء في الأمور الدنيوية كالاهتمام بالمظهر، وانظر الفتوى: 184391.

وأما الاعتناء بالجسم والمحافظة على صحته: فإن الجسد أمانة تجب المحافظة عليها، ولا يجوز له فعل ما يضره، وانظر في هذا الفتويين: 62398، 228073.

وأما مفهوم الزهد والورع: فلعل من أفضل ما قيل فيه، ما ذكره القرافي في الفروق، حيث أفاض في بيان حقيقتهما؛ فأفاد وأجاد. فقال في بيان حقيقة الزهد: اعلم أن الزهد ليس عدم المال، بل عدم احتفال القلب بالدنيا والأموال، وإن كانت في ملكه، فقد يكون الزاهد من أغنى الناس، وهو زاهد؛ لأنه غير محتفل بما في يده، وبذله في طاعة الله -تعالى- أيسر عليه من بذل الفلس على غيره، وقد يكون الشديد الفقر غير زاهد، بل في غاية الحرص لأجل ما اشتمل عليه قلبه من الرغبة في الدنيا.

والزهد في المحرمات واجب، وفي الواجبات حرام، وفي المندوبات مكروه، وفي المباحات مندوب، وإن كانت مباحة؛ لأن الميل إليها يفضي لارتكاب المحرمات والمكروهات، فتركها من باب الوسائل المندوبة. انتهى.

وقال في بيان حقيقة الورع: والورع من أفعال الجوارح، وهو ترك ما لا بأس به، حذرا مما به البأس. وأصله قوله عليه السلام: الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات؛ فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه.

 وهو مندوب إليه، ومنه الخروج عن خلاف العلماء بحسب الإمكان. فإن اختلف العلماء في فعل هل هو مباح أو حرام؟ فالورع الترك. أو هو مباح أو واجب؟ فالورع الفعل، مع اعتقاد الوجوب حتى يجزئ عن الواجب، على المذهب.

 وإن اختلفوا فيه هل هو مندوب أو حرام؟ فالورع الترك. أو مكروه أو واجب؟ فالورع الفعل، حذرا من العقاب في ترك الواجب، وفعل المكروه لا يضره.

وإن اختلفوا هل هو مشروع أم لا؟ فالورع الفعل؛ لأن القائل بالمشروعية مثبت لأمر لم يطلع عليه النافي، والمثبت مقدم على النافي كتعارض البينات، وذلك كاختلاف العلماء في مشروعية الفاتحة في صلاة الجنازة: فمالك يقول ليست بمشروعة، والشافعي يقول هي مشروعة أو واجبة. فالورع الفعل؛ لتيقن الخلوص من إثم ترك الواجب على مذهبه، وكالبسملة، قال مالك: هي في الصلاة مكروهة، وقال الشافعي: هي واجبة، فالورع الفعل؛ للخروج عن عهدة ترك الواجب.

 فإن اختلفوا هل هو حرام أو واجب؟ فالعقاب متوقع على كل تقدير، فلا ورع، إلا أن نقول إن المحرم إذا عارضه الواجب قدم على الواجب؛ لأن رعاية درء المفاسد أولى من رعاية حصول المصالح، وهو الأنظر، فيقدم المحرم ها هنا، فيكون الورع الترك.

 وإن اختلفوا هل هو مندوب أو مكروه؟ فلا ورع؛ لتساوي الجهتين على ما تقدم في المحرم والواجب. ويمكن ترجيح المكروه كما تقدم في المحرم. وعلى هذا المنوال تجري قاعدة الورع، وهذا مع تقارب الأدلة.

أما إذا كان أحد المذهبين ضعيف الدليل جدا، بحيث لو حكم به حاكم، لنقضناه، لم يحسن الورع في مثله. انتهى.

 وراجع الفتويين: 20776 146249.

 وأما لبس البنطال ونحوه، فهو مباح من حيث الأصل، وليس من التشبه بالكفار المنهي عنه.

وراجع الفتويين: 16909، 70781.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات