التعامل مع الأم القاسية

0 11

السؤال

كيف أتقي الله في أمي إن كانت قاسية، ولا تشعر بذنب تجاهي، أو ترى أنها تضغط علي؛ فيأتي الأمر بنتيجة سلبية، وتنشأ بيننا خلافات كثيرة؟
أصبحت أشعر بعدم البر داخلي، ولا أريد أن أفعل لها شيئا، ومع هذا أحاول، ولكني في كثير من الأحيان يغلبني الشيطان، فكيف أساعد نفسي على برها؟ مع العلم أن أخواتي يرين أنها تعاملني بقسوة دائما، وليس مثل أخواتي، وعندما تتحدث معها أخواتي في هذا الأمر -لأنهن يعلمن أنه لا ذنب لي-، لا تتحدث معهن لفترة، فلم يعد أحد يتحدث معها بخصوص ما تفعله معي من ضغط نفسي رهيب.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن صح ما ذكرت من أن أمك تعاملك بقسوة؛ فلا شك في أن هذا مما يستغرب؛ لكون الغالب في الأم شفقتها على أولادها، وعطفها عليهم، وحب الخير لهم.

فنوصيك أولا بالدعاء بأن يصلح الله حالها، ويرزقها رشدها، ويصلح ما بينك وبينها.

ونوصيك بالصبر على أذاها، وسلي نفسك بالصبر؛ فالصبر على البلاء له عواقبه الحميدة، كما بينا في الفتوى: 18103.

ونرجو أيضا أن تعيني نفسك بالإكثار من ذكر الله تعالى؛ ليخفف عنك الضغوط التي تجدينها من أمك؛ فمن فوائد الذكر أنه يزيل الهم والغم عن القلب، ويجلب للقلب الفرح والسرور، ويقوي القلب والبدن، كما ذكر ابن القيم في الوابل الصيب، وقد قال تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد:28}.

 وقد أحسنت في اجتهادك في سبيل البر بها؛ فإنها مهما صدر عنها من إساءة، تبقى أما؛ عليك برها، والإحسان إليها؛ فأي من الوالدين إذا أساء، لم يسقط ذلك بره، والإحسان إليه.

يدل على ذلك أن الشرع قد أوصى بهما خيرا، ولو كانا كافرين حريصين على إضلال ولدهما، وصده عن الصراط المستقيم، قال الله سبحانه: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15}، روى البخاري في الأدب المفرد أثرا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يصبح إليهما محتسبا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. أورده تحت: باب: (بر والديه وإن ظلما).

ومفهوم البر واسع؛ فإنه يتضمن كل خير يمكن أن تقدميه لها، بما في ذلك ما أرشدناك إليه من الدعاء لها؛ فإنه من البر، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء.

والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة. اهـ.

وعليك بمجاهدة نفسك، وتكلف البر؛ فإنه إذا صعب عليك في البداية أصبح فيما بعد سهلا عليك، ويسره الله عليك، قال تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين {العنكبوت:69}، نقل ابن كثير في تفسير هذه الآية عن عباس الهمداني أبي أحمد -من أهل عكا- أنه قال: الذين يعملون بما يعلمون، يهديهم لما لا يعلمون. اهـ.

 وإذا وجدت من يمكنه أن يبذل النصح لأمك بالحسنى، وترجين أن تنتفع بنصحها- من أقاربها، أو صديقاتها-، فاستعيني بهم في ذلك، فلعل الله سبحانه يسوق الخير على أيديهم. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة