أضواء على حديث: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير

0 13

السؤال

هل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم مغفور لهم ويدخلون الجنة؟ إن كان الأمر هكذا، فهذه العقيدة مخالفة لهذا الحديث الصحيح: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول ـ لأنه واضح أن هذين القبرين لرجلين مسلمين، أوضح إيضاحا تاما من فضلك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما الشهادة للصحابة بالجنة عموما: فقد قال بهذا بعض أهل العلم، وبينا ذلك في الفتوى: 267052.

ومن شهد النبي صلى الله عليه وسلم لعينه بأنه يعذب كالغال من الغنيمة ونحوه، فإنه مستثنى بالنص من هذا العموم، وأما الحديث الذي أشرت إليه: فقد اختلف في هذين المقبورين هل كانا كافرين وعليه، فلا إشكال أو كانا مسلمين وعليه فيكون هذان الشخصان مخصوصين من عموم الأدلة المبينة في الفتوى المحال عليها، وبين ابن حجر هذا الخلاف، فقال ما لفظه: وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا كافرين، وبه جزم أبو موسى المديني، واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه ابن لهيعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة ـ قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقوي لكن معناه صحيح، لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة، وجزم ابن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين، وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين، لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب ولا ترجاه لهما، ولو كان ذلك من خصائصه لبينه، يعني كما في قصة أبي طالب، قلت: وما قاله أخيرا هو الجواب، وما طالب به من البيان قد حصل، ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية، لكن الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف، كما اعترف به، وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم، وليس فيه سبب التعذيب، فهو من تخليط ابن لهيعة، وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمنا أن مسلما أخرجه، واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر، وأما حديث الباب: فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين، ففي رواية بن ماجه: مر بقبرين جديدين ـ فانتفى كونهما في الجاهلية، وفي حديث أبي أمامة عند أحمد: أنه صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال: من دفنتم اليوم ها هنا؟ ـ فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين، لأن البقيع مقبرة المسلمين، والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم، ويقوي كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني بإسناد صحيح: يعذبان، وما يعذبان في كبير، وبلى، وما يعذبان إلا في الغيبة والبول ـ فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين، لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام الإسلام، فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف. انتهى.

وقد تبين لك ترجيح أنهما كانا مسلمين، فيكون ذلك مخصصا لعموم الأدلة؛ كما عرفت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات