مذاهب العلماء في سنة الجمعة القبلية

0 12

السؤال

أعيش في دولة أجنبية، وأحافظ على صلواتي، وهذا من فضل الله علي.. ومشكلتي في يوم الجمعة تحديدا، حين أذهب لصلاة الجمعة، حيث إن هذه الدولة يصلون سنة الظهر 4 ركعات بين الأذان وصعود الخطيب على المنبر، ولكنني أعلم أن يوم الجمعة لا توجد فيه صلاة سنة الظهر القبلية، وأبقى جالسا، وأرى الناس ينظرون إلي نظرة غير صحيحة، لأن هذه الصلاة يصليها كل الموجودين في المسجد إلا أنا، فماذا علي أن أفعل؟ وهل أصلي معهم السنة؟ وهل يجوز هذا؟ أم يجب علي أن أبقى على موقفي؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف العلماء فيما إذا كان للجمعة سنة قبلية أو لا، وقد ذهب الحنفية إلى أنه تسن الصلاة قبل الجمعة وبعدها، وفي وجه للشافعية رجحه النووي في المجموع أنه تسن ركعتان قبلها، وركعتان بعدها، والأكمل أربع قبلها، وأربع بعدها، والراجح أنه ليس للجمعة سنة قبلية.

قال ابن تيمية: المأثور عن الصحابة أنهم كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر، فمنهم من يصلي عشر ركعات، ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثمان ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك، ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدرة بعدد، لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي، أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئا، لا بقوله، ولا فعله، وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأكثر أصحابه، وهو المشهور من مذهب أحمد. انتهى. 

وانظر الفتوى رقم: 138671.

لكن من قلد من يرى من أهل العلم أن للجمعة سنة قبلية؛ فلا حرج عليه، ولا إنكار، وانظر الفتوى: 322738.

والذي ننصحك به أن تصلي مثلما يصلي الناس في مدينتك، لكن لا تنو بصلاتك أنها سنة الجمعة القبلية، وإنما تنوي صلاة تطوع مطلق؛ وذلك تأليفا للقوب وجمعا لها، وحسما لمادة التفرق المذموم، وفي ذلك تحقيق لمقصد عظيم من مقاصد الشريعة؛ لأن مصلحة تأليف القلوب وجمع الكلمة قد يكون أولى من فعل بعض السنن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد احتج بعض الناس على الصلاة قبل الجمعة بقوله: بين كل أذانين صلاة ـ وعارضه غيره، فقال: الأذان الذي على المنابر لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عثمان أمر به لما كثر الناس على عهده، ولم يكن يبلغهم الأذان حين خروجه وقعوده على المنبر، ويتوجه أن يقال هذا الأذان لما سنه عثمان واتفق المسلمون عليه صار أذانا شرعيا، وحينئذ فتكون الصلاة بينه وبين الأذان الثاني جائزة حسنة، وليست سنة راتبة كالصلاة قبل صلاة المغرب، وحينئذ فمن فعل ذلك لم ينكر عليه، ومن ترك ذلك لم ينكر عليه، وهذا أعدل الأقوال، وكلام الإمام أحمد يدل عليه، وحينئذ فقد يكون تركها أفضل إذا كان الجهال يظنون أن هذه سنة راتبة، أو أنها واجبة، فتترك حتى يعرف الناس أنها ليست سنة راتبة، ولا واجبة، لا سيما إذا داوم الناس عليها، فينبغي تركها أحيانا حتى لا تشبه الفرض... وإن صلاها الرجل بين الأذانين أحيانا؛ لأنها تطوع مطلق، أو صلاة بين الأذانين، كما يصلي قبل العصر، والعشاء، لا لأنها سنة راتبة، فهذا جائز، وإن كان الرجل مع قوم يصلونها، فإن كان مطاعا إذا تركها - وبين لهم السنة - لم ينكروا عليه، بل عرفوا السنة فتركها حسن، وإن لم يكن مطاعا، ورأى أن في صلاتها تأليفا لقلوبهم إلى ما هو أنفع، أو دفعا للخصام، والشر، لعدم التمكن من بيان الحق لهم، وقبولهم له، ونحو ذلك، فهذا أيضا حسن، فالعمل الواحد يكون فعله مستحبا تارة، وتركه تارة باعتبار ما يترجح من مصلحة فعله وتركه، بحسب الأدلة الشرعية، والمسلم قد يترك المستحب إذا كان في فعله فساد راجح على مصلحته، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم، وقال لعائشة: لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض، ولجعلت لها بابين، بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه ـ والحديث في الصحيحين، فترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الذي كان عنده أفضل الأمرين للمعارض الراجح، وهو حدثان عهد قريش بالإسلام، لما في ذلك من التنفير لهم، فكانت المفسدة راجحة على المصلحة، ولذلك استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل إذا كان فيه تأليف المأمومين مثل أن يكون عنده فصل الوتر أفضل بأن يسلم في الشفع، ثم يصلي ركعة الوتر، وهو يؤم قوما لا يرون إلا وصل الوتر، فإذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الأفضل كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتهم للصلاة خلفه، وكذلك لو كان ممن يرى المخافتة بالبسملة أفضل، أو الجهر بها، وكان المأمومون على خلاف رأيه ففعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة، والتأليف التي هي راجحة على مصلحة تلك الفضيلة كان جائزا حسنا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة