السؤال
أنا وزوجي -والحمد لله- نعيش في نعمة وخير، ولدينا رواتب شهرية تمكننا من الإنفاق على أبنائنا دون الحاجة إلى عطايا أو مساعدات من أحد.
وأواجه خلافا مع زوجي بخصوص هدايا المال للمولود، وكذلك العيديات التي تعطى لأطفالنا. فأنا لا آخذ من هذا المال شيئا، بل أرغب في استثماره، وأنصح زوجي بأن نستثمره لصالح أبنائنا، سواء بوضعه في حسابات توفير بأسمائهم، أو بشراء الذهب أو الأسهم لهم، ولا ينبغي أن نأخذ منه شيئا؛ لأننا -ولله الحمد- لا ينقصنا شيء، ولا نعلم ما قد تأتي به الأيام والمستقبل من ظروف قد يحتاج فيها أطفالنا إلى ما يعينهم. لكن زوجي يرفض ذلك، ويطالب بأن أسلمه المال بحجة أنه يجب صرفه، سواء على احتياجات الأطفال، أو البيت، أو على نفسه، مستدلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك". (للعلم: هدايا المولود عادة ما تعطى للأم والطفل، أما العيديات فتعطى للأطفال).
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالهدايا التي تهدى عند ولادة الطفل، أو في الأعياد وغيرها؛ يرجع في حكمها إلى قصد المهدي تصريحا أو عرفا؛ فما قصد به الأب فهو له، وما قصدت به الأم فهو لها، وما قصد به الطفل فهو له، يقبضه له أبوه.
جاء في حاشية ابن عابدين: وضعوا هدايا الختان بين يدي الصبي، فما يصلح له كثياب الصبيان، فالهدية له، وإلا فإن المهدي من أقرباء الأب، أو معارفه، فللأب، أو من معارف الأم، فللأم. انتهى.
وجاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج: الهدايا المحمولة عند الختان ملك للأب، وقال جمع للابن، فعليه يلزم الأب قبولها ... ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما، وإلا فهي لمن قصده اتفاقا. انتهى.
وقال البهوتي -رحمه الله- في كشاف القناع: لو اتخذ الأب دعوة ختان، وحملت هدايا إلى داره، فهي له؛ لأنه الظاهر إلا أن يوجد ما يقتضي الاختصاص بالمختون فيكون له، وهذا كثياب الصبيان ونحوها مما يختص بهم، وكذا لو وجد ما يقتضي اختصاص الأم بشيء فيكون لها، مثل كون المهدي من أقاربها أو معارفها، حمل على العرف. انتهى.
وما أهدي للطفل؛ وقبضه أبوه؛ فهو ملك للطفل، ولا يجب إنفاقه عليه؛ لكن من حق الأب أن ينفق منه على الولد، لأن الولد إذا كان له مال يكفي لنفقته لم تجب نفقته على أبيه.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكونوا فقراء، لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به، فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة. انتهى.
وأما أخذ الأب من مال الولد لنفسه مع عدم حاجته؛ فلا حق له في ذلك عند الجمهور، وذهب بعض أهل العلم إلى أن للوالد أن يأخذ من مال ولده ولو لم يكن محتاجا، بشرط ألا يجحف بمال ولده، وألا يأخذه ليعطيه لولد آخر.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا، بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر ...
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته. انتهى.
ولمعرفة أقوال العلماء في حديث: أنت ومالك لأبيك، راجعي الفتوى: 506560.
ولا مانع من التفاهم مع زوجك على حفظ أموال الأولاد واستثمارها لهم؛ فهذا أمر حسن، ولا سيما إذا كان الأب موسرا؛ بشرط أن يكون الاستثمار مباحا، أما وضع الأموال في البنوك الربوية، فهذا غير جائز.
والله أعلم.