التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة

0 4

السؤال

تزوجت وأنا في السابعة عشرة من عمري، وأنجبت توأما (ولدا وبنتا). ولم أكن حينها أعرف كيفية التعامل معهما، وكانا كثيري البكاء، وكان زوجي ظالما، يضربني إن لم أتمكن من إيقاف بكائهما.
حاولت في بعض المرات أن أوقف بكاءهما بطريقة خاطئة، كأن أضع يدي على عنقهما في لحظة انفعال، ثم أسرع بإبعادها قبل أن يختنقا. والحمد لله، أن الله سلمهما، ولم يتوف أحد منهما بسببي.
هما الآن شابان، وسند لي، لكن الذنب لا يفارقني، وأبكي كثيرا خشية أن يعاقبني الله عليه، أو أن أخسرهما بسبب تلك التصرفات المؤلمة. لا تزال صورتهما وهما دون عمر السنة، يعانيان من تصرفاتي، عالقة في ذهني.
والله، ما كنت أريد إيذاءهما، بل كنت خائفة عليهما وعلى نفسي من بطش والدهما وضربه، فقد كان يعنفني بشدة إن لم أسكتهما. فهل سيعاقبني الله على ما فعلت في الآخرة؟ وماذا أفعل لأتخلص من هذا الذنب وهذا الشعور بالندم؟ علما أنني انفصلت عن والدهما بعد ثلاث سنوات بسبب سوء العشرة، وتوليت تربيتهما وحدي دون أي مساعدة منه، والحمد لله، أصبحا اليوم حسني الأخلاق، يحبان الله، ويبران بي وبه.
وقد أخذ والدهما ابني منذ عام، حين بلغ الخامسة عشرة من عمره، وسافر به إلى بلد آخر بحكم نفوذه، ولم أستطع منعه، وبقيت معي الفتاة. وابني الآن يكلمني كل عشرة أيام عبر الهاتف. فهل هذا عقاب من الله لي؟
فوالله، لقد صبرت واحتسبت، ولم أتحدث يوما عن والدهم بسوء أمامهما، حرصا على نفسيتهما. فماذا أفعل لأرتاح من ثقل هذا الذنب؟
أفتوني، جزاكم الله خيرا، وعوضني وعوضكم الجنة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنت بالندم على ما كان منك من تصرف تجاه هذين الطفلين، ونسأل الله أن يتقبل منك توبتك. واعلمي أن التوبة الصادقة تمحو ما قبلها من الذنوب، قال تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى [طه: 82].

وروى ابن ماجه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له.

فاستشعري رحمة الله، وعظم مغفرته، وأنه مهما عظم الذنب فمغفرته أوسع، وأنه يحب التوابين. ولا تتركي المجال للشيطان ليدخل عليك الأحزان، ويشغلك عن السعي إلى ما ينفعك في دينك ودنياك، فتشاغلي عن هذه الخواطر، وأكثري من ذكر الله، قال -عز وجل-: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب [الرعد: 28]، واصرفي همتك إلى ما ينفعك في دينك ودنياك، ومن تاب من ذنبه، فإن الله سبحانه لا يعاقبه بسببه لا في العاجل ولا في الآجل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ونحن حقيقة قولنا إن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا شرعا ولا قدرا. انتهى.

ولا يلزم أن يكون وجود ابنك مع أبيه بعيدا عنك عقوبة على ذنب، بل قد يكون مجرد ابتلاء، فاصبري واستمري على التواصل معه، وتعاهديه بالتوجيهات الحسنة، وأكثري من الدعاء والاستغفار له ولابنتك، وسؤاله سبحانه أن يحفظهما، وينبتهما نباتا حسنا على مبادئ الدين وقيمه النبيلة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات