السؤال
دخلت في شراكة مع شخص في محل لبيع الذهب بمقدار 500 غرام، وضعتها عنده في المحل، وبدأ يعطيني أرباحا متفاوتة لمدة عامين تقريبا، ثم دخل صاحب المحل في تجارات خاصة دون الرجوع إلي خارج موضوع محل الذهب.
وقد تعرض لعملية احتيال؛ فبدأت بمطالبته بالذهب بعد شيوع خبر عملية الاحتيال، فسدد 200 غرام، وبقي لي عنده 300 غرام، واتفقنا على تحويل الذهب لمحل آخر، وذهبت للمحل الآخر وأقر بتحويل الذهب إليه على نفس شروط الشراكة مع المحل الأول.
بعد عامين طالبت صاحب المحل الثاني بسحب الذهب؛ فرفض إعطائي الذهب، وادعى أنه لم يستلم من المحل الأول شيئا، وأنه أقر شفهيا باستلامه الذهب كي يخرج صاحب المحل من المأزق، فاتفقت مع الطرفين على سحب الذهب خلال مدة تبدأ بعد عام ونصف وتنتهي بعد عامين، وأحضرنا شهودا على هذا الاتفاق.
فهل يجوز أن أطالبهم بأرباح ال300 غرام المتبقية حتى يتم تسديد الذهب؛ رغم أنهم يدعون عدم وجودها في المحل الثاني؟ وهل هذا يعد مال فائدة؟
وهل المال الذي أخذته من المحل الثاني الذي أقر بوجود الذهب عنده ثم أنكر يعد مال فائدة؟ رغم أنني لا أعلم فعليا هل الذهب موجود أم لا في المحل الثاني؛ فأنا أسمع أقوالهم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفصل في مسائل الخصومة والنزاع في الحقوق، مرده إلى المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدفوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي؛ فإنه لا يسمع إلا من طرف واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تتيحه طريقة الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، ويتأكد هذا في المسائل التي يتطاول فيها الزمن، وتتعاقب فيها الحقوق وتتداخل.
والذي يمكننا إفادة السائل به إجمالا، وليس حكما على تفاصيل سؤاله:
أن المضارب لو خالف شرط صاحب المال، واستعمل المال لمصلحة نفسه؛ وجب عليه ضمانه، وكان له ربحه، وليس لصاحب رأس المال إلا رأس ماله؛ لأن من يستحق الربح هو من يقع عليه ضمان المال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان. رواه أحمد، وأصحاب السنن، وصححه ابن القطان، وحسنه الألباني. وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع، ولا ربح ما لم يضمن. رواه أحمد، وأصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح. ولذلك قال علي رضي الله عنه: من قاسم الربح، فلا ضمان عليه. رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة في مصنفيهما.
وقال محمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة: إذا وجب الضمان لرب المال على المقارض، بطل ربح المال، ولا يجتمع لرب المال ضمان ربحه وماله. وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه "نهى عن ربح ما لم يضمن"، فهذا المال في ضمان المقارض الأول لرب المال، وكيف يكون ربحه لرب المال، إنما يكون ربحه للذي يضمنه. وقد اجتمعنا نحن وأهل المدينة أنه لا يكون ما سلف مقارضة، فهذا بمنزلة المال السلف ولا يكون مقارضة، وهو مضمون، لا يجتمع الضمان والربح. اهـ.
وعلى ذلك؛ فمتى حكمنا بضمان المال على المضارب لتعديه، لم يكن لصاحبه بعد ذلك ربح، وما أخذه بعد ذلك يحسب من رأس المال.
وأمر آخر يجب مراعاته عند النظر في هذه القضية، بخصوص تحويل الذهب لمحل آخر على سبيل المضاربة، وهو أن: رأس المال في المضاربة لا يصح أن يكون دينا، ويجب أن يكون عينا؛ ولذلك لا تصح المضاربة بدين على المضارب نفسه، عند أكثر أهل العلم، وقد حكي عليه الإجماع.
وراجع في ذلك الفتوى: 384151.
وكذلك لا يصح عند الجمهور أن يحال في رأس مال المضاربة على دين على غير المضارب.
قال النووي في روضة الطالبين: لو كان له دين على رجل، فقال لغيره: قارضتك على ديني على فلان، فاقبضه، واتجر فيه، أو قارضتك عليه لتقبض وتتصرف، أو اقبضه، فإذا قبضته فقد قارضتك عليه، لم يصح. وإذا قبض العامل وتصرف فيه، لم يستحق الربح المشروط، بل الجميع لرب المال، وللعامل أجرة مثل التصرف، إن كان قال: إذا قبضت فقد قارضتك. وإن قال: قارضتك عليه لتقبض وتتصرف، استحق أجرة مثل التقاضي والقبض أيضا. ولو قال للمديون: قارضتك على الدين الذي لي عليك، لم يصح القراض، بل لو قال: اعزل قدر حقي من مالك، فعزله، ثم قال: قارضتك عليه، لم يصح؛ لأنه لم يملكه. اهـ.
وقال المرداوي في الإنصاف: قوله (وإن قال: ضارب بالدين الذي عليك؛ لم يصح). هذا المذهب. جزم به الخرقي، وصاحب المستوعب، والتلخيص، والوجيز، وغيرهم. وقدمه في المغني، والشرح، والمحرر. ذكره في باب التصرف في الدين بالحوالة وغيرها. اهـ.
والله أعلم.