حكم البيع عبر منصة وسيطة بنظام السَّلَم الموازي، والبيع بدون تلفظ

0 3

السؤال

أنا تاجر أعمل في التجارة الإلكترونية عبر موقعي الخاص، وأحتاج إلى فتوى عاجلة بخصوص التعامل مع مزود خدمة أجنبي، يرمز له بـ "قمر"، وهذا المزود لا يملك البضائع مباشرة، بل يعرض منتجات موردين ومصانع عبر منصته، فيوفر المعلومات -مثل الصور، والأسعار، وكلفة الشحن، ومدة التوصيل-، وأربط موقعي بمنصة "قمر"، وأعرض المنتجات المتوفرة فيها فقط.
والعميل يدفع الثمن كاملا عند الطلب، ثم يرسل الطلب تلقائيا إلى حسابي على "قمر"، فينتظر تأكيدي، وبعد التأكيد يخصم من بطاقتي مبلغ مخصص -سعر المنتج والشحن-، ثم يتولى "قمر" تحصيل المنتج وشحنه للعميل بعد مروره بمستودعاتهم، وأنا مسؤول أمام العميل بالكامل عن الخدمة والجودة، فإذا بعت منتجا بـ150 ريالا، فإن العميل يدفع المبلغ لي، وأدفع لاحقا 125 ريالا لقمر، فأربح الفرق، والبضاعة موصوفة، والثمن مدفوع مقدما، والتوصيل مؤجل، ولا أذكر لفظ "سلم" للعميل، لكنه يعلم أن التسليم لاحق.
فهل يشترط شرعا إخباره أنها معاملة سلم؟ وهل يلزم ذلك مع العملاء غير المسلمين؟ وهل يصح اعتبارها سلما موازيا، مع أن "قمر" لا يوفر المنتج إلا بعد سداد قيمته؟
أما عن جانب التوكيل، فـ"قمر" يتولى التغليف والشحن، وإضافة بطاقات خاصة بمتجري، دون عقد توكيل صريح، بل هو جزء من خدمتهم. فهل يعد هذا توكيلا ضمنيا صحيحا، وهل يكتفى بالعرف التجاري؟ وهل يجب إخبار العميل أن جهة الشحن طرف ثالث؟
وبالنسبة للبائع الحقيقي، فأنا من يحدد السعر، ويتحمل المسؤولية، وليس "قمر"، فهل أعد البائع شرعا أم وكيلا؟ وإذا فعلت خاصية التنفيذ التلقائي التي تخصم المبلغ مباشرة، فهل يؤثر هذا على صحة العقد؟
ونظرا لأن "قمر" يعتمد مصطلحات تقنية -كتنفيذ الطلب، ولا يصرح بلفظ الشراء- فهل تصح النية الباطنة عندي بأني أشتري لأبيع؟ وهل تكفي هذه النية في صحة المعاملة، رغم عدم وضوح المصطلحات؟
أرجو بيان الحكم الشرعي بالتفصيل، وذكر ما يلزم تعديله حتى تكون المعاملة جائزة.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دام المشتري يدفع الثمن كاملا مع طلب السلعة، والسائل كذلك يدفع لمنصة قمر الثمن كاملا عند الطلب؛ فيمكنه إجراء المعاملة بعقدين منفصلين من عقود السلم، وهو ما يعرف بالسلم الموازي:

فيكون ما بين المشتري الأول والسائل عقدا.

وما بين السائل (المشتري الثاني) والمنصة عقدا آخر منفصلا عنه، مع توكيل السائل للمنصة في توصيل السلعة للمشتري الأول.

وراجع في ذلك الفتاوى: 97413، 292327، 477067، 477070.

وأما التفاصيل التي ذكرها السائل؛ فعمدة الجواب عليها كلها: أن دلالة العرف والعادة، وتراضي الطرفين على مقصود واضح للمعاملة: يصح به العقد، بغض النظر عن الألفاظ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (مسألة القياس): والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود؛ انعقدت، فأي لفظ من الألفاظ عرف به ‌المتعاقدان ‌مقصودهما؛ ‌انعقد به العقد.

وهذا عام في جميع العقود؛ فإن الشارع لم يحد في ألفاظ العقود حدا، بل ذكرها مطلقة، فكما تنعقد العقود بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية، والرومية، وغيرهما من الألسن العجمية؛ فهي تنعقد بما يدل عليها من الألفاظ العربية. اهـ. 

وقال الشيخ السعدي في (فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام): ومنها: أن العقود تنعقد بما يدل عليها من قول وفعل، لا فرق بين عقود التبرعات وعقود المعاوضات؛ لأن يوسف -صلى الله عليه وسلم- ملك إخوته بضاعتهم التي اشتروا بها ميرتهم من حيث لا يشعرون، ولما فتحوا ‌متاعهم ‌وجدوا ‌بضاعتهم ‌في رحالهم، الآية، وذلك من دون إيجاب وقبول قولي؛ لأن الفعل والرضا يدل على ذلك. اهـ. 

ويتأكد هذا على مذهب الجمهور القائلين بصحة البيع دون تلفظ، بل بما يدل على حصول الرضا بين المتبايعين، كدلالة العرف، أو العادة، أو الاشتهار، وهو ما يعرف ببيع المعاطاة.

وراجع في ذلك الفتويين: 465205، 481066

قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير عند حديث: "إنما البيع عن تراض"، قال: لما كان الرضا أمرا قلبيا خفيا، نيط البيع بالعقد الدال صدوره على الرضا، وقيل: لا اعتبار بالألفاظ، بل إذا ظهر الرضا ثبت العقد، والحديث دليل له بأنه لم يعتبر غير الرضا، فلو كان اللفظ الدال عليه معتبرا لذكره. اهـ. 

وقال في سبل السلام: الحق أنه لم يقم دليل على اشتراط الإيجاب والقبول، بل حقيقة البيع المبادلة الصادرة عن تراض، كما أفادت الآية، والحديث.

نعم، الرضا أمر خفي يناط بقرائن، منها: الإيجاب والقبول، ولا ينحصر فيهما، بل متى انسلخت النفس عن المبيع والثمن بأي لفظ كان؛ وعلى هذا معاملات الناس قديما وحديثا. اهـ. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة