السؤال
قرأت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه شهرا لغضبه عليهن، فهل يحل لي، إن تكرر غضبي من زوجتي أو من أهلها، أن أذهب إلى بيت أهلي، ولا أكلمها حتى يهدأ قلبي، ولعلها تنصلح وتتحسن معاملتها لي؟
قرأت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه شهرا لغضبه عليهن، فهل يحل لي، إن تكرر غضبي من زوجتي أو من أهلها، أن أذهب إلى بيت أهلي، ولا أكلمها حتى يهدأ قلبي، ولعلها تنصلح وتتحسن معاملتها لي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا قصة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا، وسبب هذه الحادثة في الفتوى: 51287، وليس لك أن تهجر زوجتك بسبب غضبك من أهلها، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى، ومن الظلم أن تعاقب زوجتك بسبب أهلها، وتحملها تبعات أخطائهم في حقك.
وأما هجرها بسبب خطئها وجنايتها هي، فالهجر ليس هو أول العلاج في الحياة الزوجية، وقد ذكرنا كيفية علاج الزوجة الناشز في الفتوى: 17322، وكذا ذكرنا كيفية الهجر عند نشوز الزوجة في الفتوى: 103280.
وأما هجرها بالخروج من البيت، فمن العلماء من يمنعه، ويرى أن الهجر إنما هو في الفراش فقط، لحديث معاوية بن حيدة القشيري قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوج أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
قال شراح الحديث ومعنى، ولا تهجر إلا في البيت. أي لا تتحول عنها، أو لا تحولها إلى دار أخرى، لقوله تعالى: واهجروهن في المضاجع. كذا في عون المعبود.
ويرى آخرون أنه يجوز هجر الزوجة بالتحول عنها، والانتقال لسكن آخر تأديبا لها، استدلالا بقصة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يشير إليه صنيع الإمام البخاري في صحيحه، فقد بوب بابا فقال: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن. ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه: غير أن لا تهجر إلا في البيت. والأول أصح. اهـ.
قال الحافظ في الفتح: كأنه يشير إلى أن قوله: واهجروهن في المضاجع، لا مفهوم له، وأنه تجوز الهجرة فيما زاد على ذلك، كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم من هجره لأزواجه في المشربة، وللعلماء في ذلك اختلاف....
قال المهلب: هذا الذي أشار إليه البخاري، كأنه أراد أن يستن الناس بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من الهجر في غير البيوت رفقا بالنساء؛ لأن هجرانهن مع الإقامة معهن في البيوت آلم لأنفسهن، وأوجع لقلوبهن بما يقع من الإعراض في تلك الحال، ولما في الغيبة عن الأعين من التسلية عن الرجال.
قال: وليس ذلك بواجب؛ لأن الله قد أمر بهجرانهن في المضاجع، فضلا عن البيوت، وتعقبه ابن المنير بأن البخاري لم يرد ما فهمه، وإنما أراد أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وفي غير البيوت، وأن الحصر المذكور في حديث معاوية بن حيدة غير معمول به، بل يجوز الهجر في غير البيوت، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، فربما كان الهجران في البيوت أشد من الهجران في غيرها، وبالعكس، بل الغالب أن الهجران في غير البيوت آلم للنفوس، وخصوصا النساء، لضعف نفوسهن.
واختلف أهل التفسير في المراد بالهجران، فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن، والإقامة عندهن على ظاهر الآية، وهو من الهجران، وهو البعد. اهـ.
والذي نوصي به في هذا؛ أن يكون هجر المرأة الناشز ابتداء في البيت، فإن لم ينفع ورجي من هجرها في البيت منفعة، فلا حرج فيه إن شاء الله.
والله أعلم.