السؤال
ما حكم قبول هبة مالية من الوالد، علما بأنه لا يعطيها لجميع إخواني بالتساوي؟ فقد يقدمها لأحدهم في وقت معين دون الآخرين، ثم يعطي آخر مبلغا مختلفا في وقت لاحق، وهكذا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبالغ عادة ما تكون غير كبيرة.
ما حكم قبول هبة مالية من الوالد، علما بأنه لا يعطيها لجميع إخواني بالتساوي؟ فقد يقدمها لأحدهم في وقت معين دون الآخرين، ثم يعطي آخر مبلغا مختلفا في وقت لاحق، وهكذا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبالغ عادة ما تكون غير كبيرة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتفضيل الوالد بعض أولاده على بعض من غير مسوغ من حاجة، أو عوز، لا يجوز؛ لما فيه من الجور وعدم العدل بينهم، فقد ثبت في الصحيحين واللفظ لمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلا، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك، فقال له: يا بشير؛ ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور.
وفي رواية لهما: قال له أيضا: فأرجعه. وفي رواية لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فرد أبي تلك الصدقة. وفي رواية عند أحمد: إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم.
وعليه؛ فإن كانت الهبات المالية من والدكم لا تشملكم جميعا، بل يخص بها بعضكم دون بعض، فلا يجوز قبولها؛ لأن ذلك من الجور الذي لا يجوز للإنسان أخذه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع: ولا يجوز للولد الذي فضل أن يأخذ الفضل؛ بل عليه أن يرد ذلك في حياة الظالم الجائر، وبعد موته، كما يرد في حياته في أصح قولي العلماء. اهـ.
وقال أبو الفرج المقدسي في الشرح الكبير في معرض الاحتجاج لذلك: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جورا بقوله لبشير: لا تشهدني على جور، والجور لا يحل للفاعل فعله، ولا للمعطي تناوله. اهـ. وراجع الفتوى: 12563.
فإن كان تخصيص بعض الأولاد لمسوغ شرعي، فلا حرج في ذلك، قال ابن قدامة في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه -مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل-، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك. اهـ.
أما إذا كان الوالد يعطي أبناءه على فترات مختلفة بحسب ما يتيسر له من الظروف، أو بما يحقق لكم من المصلحة، والغالب أن العطاء سيشمل الجميع مع مرور الوقت على التساوي، فنرجو أن لا يكون في ذلك حرج؛ لأن المقصود تحقيق العدل والمساواة ولو على المدى البعيد، وليس التفضيل اللحظي، فالعبرة في النهاية بتحقق العدل.
قال المازري في المعلم بفوائد مسلم: وقد تنوزع في عطية الصديق عائشة أحدا وعشرين وسقا، فاحتج به من لا يرى العدل بين البنين واجبا، وقال الآخرون: لعله أعطى قبلها من سواها، أو علم بأنهم راضون بما فعل. اهـ.
وقال القرطبي في المفهم مبينا ما رد به القائلون بتحريم المفاضلة بين الأولاد: وعن نحل أبي بكر -رضي الله عنه- أن ذلك يحتمل أن كان قد نحل أولاده نحلا يعادل ذلك، ولم ينقل. اهـ.
والله أعلم.