السؤال
تم توقيع عقد شراكة تخارجية مع إحدى الشركات، ظنا مني أنه متوافق مع صيغة المضاربة. وبعد الاستماع إلى عدد من الدورات والتسجيلات التي تتناول أحكام المضاربة وشروطها، تبين لي أن العقد يتضمن بعض المخالفات التي سأعرضها على الشركة لتعديلها.
كما لاحظت وجود بعض البنود الأخرى التي لا أعلم مدى صحتها، ومن ذلك:
أنه ذكر في العقد أن الأرباح المتوقعة للمشروع هي نسبة متوسطة من رأس المال المستثمر، وأنه سيتم توزيع مبلغ شهري يمثل نسبة من رأس المال تحت حساب الأرباح إلى حين انتهاء السنة المالية.
وفي حالة التأخر عن دفع مستحقات رب المال من الأرباح، يلزم العقد المضارب بدفع غرامة مالية، وهذا الشرط أضافته الشركة من تلقاء نفسها دون طلبي. كما نص العقد على فرض غرامة عند بيع رب المال لحصته أو التنازل عنها، وأخرى في حال إفشاء سرية البيانات بين الطرفين تعويضا عن الضرر.
وقد نص كذلك على أحقية الطرفين في التخارج بإرادة منفردة، غير أنه إذا تم التخارج قبل انتهاء مدة العقد، تفرض غرامة على الطرف المتخارج تعويضا عن الضرر.
وعليه، أتساءل: هل يجب علي فسخ العقد ودفع الغرامة في حال رفضت الشركة تعديل بعض البنود؟ أم توجد شروط لا تفسد العقد وشروط أخرى تفسده؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يصح فرض غرامة مالية في حالة التأخر عن دفع مستحقات رب المال من الأرباح؛ لما في ذلك من معنى الربا. وراجع في ذلك الفتويين: 134564، 478453.
ولا يصح فرض غرامة في حالة بيع رب المال لحصته أو التنازل عنها؛ لأن هذا سيكون بمثابة التعويض أو الشرط الجزائي عند فسخ البيع، بخلاف الغرامة في حالة التخارج قبل انتهاء مدة العقد، فلا حرج فيها إن كانت تعويضا عن ضرر فعلي، أو في مقابل التنازل عن الحق في إكمال مدة العقد اللازمة.
جاء في المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المراجعة والمحاسبة الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية في المعيار رقم: (54) المتعلق بفسخ العقود بالشرط: لا يجوز اشتراط العوض لفسخ العقد في عقد البيع، أما في العقود المستمرة إلى مدة متفق عليها، مثل الإجارة، والاستصناع، والحوالة، والمزارعة، والمغارسة، والوكالة، فإنه يجوز أن يتنازل أحد الطرفين عن المدة الباقية بعوض متفق عليه في حينه. اهـ.
ثم جاء في ملحق مستند الأحكام الشرعية: مستند عدم جواز اشتراط العوض للفسخ، قياس ذلك على الإقالة؛ حيث تعتبر فسخا، ويجب أن تتم بالتراد دون زيادة أو نقصان، وكذلك ما تقرر من منع التنازل عن بعض الحقوق بمقابل، مثل حق الشفعة، والتحجير.
مستند التنازل عن المدد الباقية من العقود المستمرة والإجارة: أن المتنازل يملك منفعة يحق له المقابل عن التنازل عنها. اهـ. وانظر للفائدة الفتوى: 252616.
وجاء في المعيار رقم: (13) المتعلق بالمضاربة: الأصل أن عقد المضاربة غير لازم، ويحق لأي من الطرفين فسخه إلا في حالتين لا يثبت فيهما حق الفسخ:
إذا شرع المضارب في العمل، فتصبح المضاربة لازمة إلى حين التنضيض الحقيقي أو الحكمي.
إذا اتفق الطرفان على تأقيت المضاربة، فلا يحق إنهاؤها قبل ذلك الوقت إلا باتفاق الطرفين. اهـ.
وأما وضع غرامة في حالة إفشاء سرية البيانات بين الطرفين، فإن كان ذلك بقدر ما يقع من ضرر مالي فعلي، فله وجهه، وإلا فهو من باب التعزير بالمال، والمذاهب الأربعة متفقة على المنع في التعزير بالمال، حتى نقل الصاوي من المالكية في حاشيته الإجماع على ذلك، وراجع الفتويين: 34484، 157721.
وإذا رفضت الشركة تعديل البنود الفاسدة، وكان في فسخ العقد ضرر مؤثر على السائل، فيسعه أن يكمل بقية مدة العقد، مع العزم على عدم أخذ شيء من الغرامات المحرمة إن وجبت له بمقتضى العقد.
والله أعلم.