[ ص: 567 ] المسألة الخامسة عشرة  
في  
الزيادة على النص هل تكون نسخا لحكم النص أم لا  ؟ وذلك يختلف باختلاف الصور ، فالزائد إما أن يكون مستقلا بنفسه أو لا .  
( الأول ) : المستقل وهو إما أن يكون من غير جنس الأول ، كزيادة وجوب الزكاة على الصلاة ، فليس بناسخ ، لما تقدمه من العبادات بلا خلاف .  
قال في المحصول : اتفق العلماء على أن زيادة عبادة على العبادات لا تكون نسخا للعبادات انتهى . ومعلوم أنه لا يخالف في مثل هذا أحد من أهل الإسلام ; لعدم التنافي .  
وإما أن يكون من جنسه ، كزيادة صلاة على الصلوات الخمس ، فهذا ليس بنسخ على قول الجمهور .  
وذهب بعض  
أهل  العراق    إلى أنها تكون نسخا لحكم المزيد عليه ، كقوله تعالى :  
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى  لأنها تجعلها غير الوسطى ، وهذا قول باطل ، لا دليل عليه ، ولا شبهة دليل ، فإن " الوسطى " ليس المراد بها المتوسطة في العدد ، بل يراد بها الفاضلة . ولو سلمنا أن المراد بها المتوسطة في العدد ، لم تكن تلك الزيادة مخرجة لها عن كونها مما يحافظ عليه ، فقد علم توسطها عند نزول الآية ، وصارت مستحقة لذلك الوصف ، وإن خرجت عن كونها وسطى .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار     : ويلزمهم زيادة عبادة على العبادة الأخيرة ; لأن هذه المزيدة تصير أخيرة ، وتجعل تلك التي كانت أخيرة غير أخيرة ، وهو خلاف الإجماع ، وألزمهم صاحب المحصول : بأنه لو كان عدد كل الواجبات قبل الزيادة عشرة ، فبعد الزيادة لا يبقى ذلك العدد ، فيكون نسخا ، يعني وهو خلاف الإجماع .  
( الثاني ) : الذي لا يستقل ، كزيادة ركعة على الركعات ، وزيادة التغريب على الجلد ، وزيادة وصف الرقبة بالإيمان ، وقد اختلفوا فيه على أقوال :   
[ ص: 568 ]    ( الأول ) : أن ذلك لا يكون نسخا مطلقا ، وبه قالت الشافعية ، والمالكية والحنابلة ، وغيرهم ومن  
المعتزلة   كأبي علي  وهاشم ،  وسواء اتصلت بالمزيد عليه أم لا ، ولا فرق بين أن تكون هذه الزيادة مانعة من إجراء المزيد عليه بدونها ، أو غير مانعة .  
( الثاني ) : أنها نسخ ، وهو قول الحنفية ، قال  
شمس الأئمة السرخسي  الحنفي : وسواء كانت الزيادة في السبب ، أو في الحكم .  
قال  
ابن السمعاني :  أما أصحاب  
أبي حنيفة  فقالوا : إن الزيادة على النص بعد استقرار حكمة توجب النسخ . حكاه  
الصيمري  عن أصحابه على الإطلاق ، واختاره بعض أصحابنا .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك ،  وإلكيا     : وعزي إلى  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  أيضا .  
( الثالث ) : إن كان المزيد عليه بنفي الزيادة بفحواه ، فإن تلك الزيادة نسخ ، كقوله "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338114في سائمة الغنم الزكاة     " فإنه يفيد نفي الزكاة عن المعلوفة .  
وإن كان لا ينفي تلك الزيادة فلا يكون نسخا ، حكاه  
ابن برهان  ، وصاحب المعتمد وغيرهما .  
( الرابع ) : أن الزيادة إن غيرت المزيد عليه تغيرا شرعيا ، حتى صار لو فعل بعد الزيادة على حد ما كان يفعلها قبلها ; لم يعتد به ، وذلك كزيادة ركعة كانت نسخا ، وإن كان المزيد عليه يصح فعله بدون الزيادة ، لم تكن نسخا ، كزيادة التغريب على الجلد ، وإليه ذهب  
عبد الجبار  ، كما حكاه عنه صاحب المعتمد  
وابن الحاجب  ، وغيرهما ، وحكاه  
سليم  عن اختيار  
 nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبي بكر الباقلاني  ،  
والإسترابادي  والبصري     .  
( الخامس ) : التفصيل بين أن تتصل به فهي نسخ ، وبين أن تنفصل عنه ، فلا تكون نسخا ، حكاه  
ابن برهان  عن  
عبد الجبار  أيضا ، واختاره  
 nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي     .   
[ ص: 569 ]    ( السادس ) : إن تكن الزيادة مغيرة لحكم المزيد عليه في المستقبل; كانت نسخا ، إن لم تغير حكمه في المستقبل ، بأن كانت مقارنة; لم تكن نسخا ، حكاه  
 nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك  عن أصحاب  
أبي حنيفة     .  
قال صاحب المعتمد : وبه قال شيخنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=15071أبو الحسن الكرخي  ،  
وأبو عبد الله البصري     .  
( السابع ) : أن الزيادة إن رفعت حكما عقليا ، أو ما ثبت باعتبار الأصل ، كبراءة الذمة ، لم تكن نسخا; لأنا لا نعتقد أن العقل يوجب الأحكام ، ومن يعتقد إيجابه لا يعتقد أن رفعها يكون نسخا ، وإن تضمنت رفع حكم شرعي كانت نسخا .  
حكى هذا التفصيل  
ابن برهان  في الأوسط عن أصحاب  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، وقال : إنه الحق ، واختاره  
 nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي  ،  
وابن الحاجب  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=16785والفخر الرازي  والبيضاوي  ، وهو اختيار  
أبي الحسين البصري  في المعتمد ، وهو ظاهر كلام  
 nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبي بكر الباقلاني  في مختصر التقريب وظاهر كلام  
 nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني  في البرهان .  
قال  
الصفي الهندي     : إنه أجود الطرق وأحسنها ، فهذه الأقوال كما ترى .  
قال بعض المحققين : إن هذه التفاصيل لا حاصل لها ، وليست في محل النزاع ، فإنه لا ريب عند الكل أن ما رفع حكما شرعيا كان نسخا حقيقة ، وليس الكلام هنا في مقام أن النسخ رفع أو بيان ، وما لم يكن كذلك فليس بنسخ ، فإن القائل : ( أنا أفصل ) بين ما رفع حكما شرعيا ، وما لا يرفع ، كأنه قال : إن كانت الزيادة نسخا فهي نسخ ، وإلا فلا ، وهذا لا حاصل له ، وإنما النزاع منهم هل ترفع حكما شرعيا ، فتكون نسخا ، أو لا فلا تكون نسخا ، فلو وقع الاتفاق على أنها ترفع حكما شرعيا ، لوقع الاتفاق على أنها ( تنسخ أو وقع الاتفاق على أنها لا ترفع حكما شرعيا لوقع الاتفاق على أنها ) ليست بنسخ ولكن النزاع في الحقيقة إنما هو في أنها رفع أم لا . انتهى .  
قال  
الزركشي  في البحر : واعلم أن فائدة هذه المسألة أن ما ثبت أنه من باب النسخ ، وكان مقطوعا به; فلا ينسخ إلا بقاطع ، كالتغريب ، فإن  
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة  لما كان عنده نسخا نفاه;      
[ ص: 570 ] لأنه نسخ للقرآن بخبر الواحد ، ولما لم يكن عند الجمهور نسخا قبلوه ، إذ لا معارضة .  
وقد ردوا - يعني الحنفية - بذلك أخبارا صحيحة ، لما اقتضت زيادة على القرآن ، والزيادة نسخ ، ولا يجوز نسخ القرآن بخبر الواحد ، فردوا أحاديث تعين الفاتحة في الصلاة وما ورد في الشاهد واليمين ، وما ورد في " إيمان الرقبة " ، وما ورد في اشتراط النية في الوضوء انتهى .  
وإذا عرفت أن هذه هي الفائدة في هذه المسألة التي طالت ذيولها ، وكثرت شعبها; هان عليك الخطب ، وقد قدمنا في المسألة التاسعة من مسائل هذا الباب ما عرفته .