إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
فرع : في تعريف الصحابي

إذا عرفت أن الصحابة كلهم عدول ، فلا بد من بيان من يستحق اسم الصحبة ، وقد اختلفوا في ذلك :

فذهب الجمهور إلى أنه من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به ولو ساعة ، [ ص: 228 ] سواء روى عنه ، أم لا .

وقيل : هو من طالت صحبته وروى عنه ، فلا يستحق اسم الصحبة إلا من جمع بينهما .

وقيل : هو من ثبت له أحدهما ، إما طول الصحبة ، أو الرواية .

والحق ما ذهب إليه الجمهور ، وإن كانت اللغة تقتضي أن الصاحب هو من كثرت ملازمته ، فقد ورد ما يدل على إثبات الفضيلة لمن لم يحصل له منه إلا مجرد اللقاء القليل أو الرؤية ولو مرة .

وقد ذكر بعض أهل العلم اشتراط الإقامة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة فصاعدا ، أو الغزو معه ، روي ذلك عن سعيد بن المسيب ، وقيل ستة أشهر ، ولا وجه لهذين القولين ; لاستلزامهما خروج جماعة من الصحابة الذين رووا عنه ، ولم يبقوا لديه إلا دون ذلك ، وأيضا لا يدل عليهما دليل من لغة ولا شرع .

وحكى القاضي عياض عن الواقدي أنه يشترط أن يكون بالغا ، وهو ضعيف ; لاستلزامه لخروج كثير من الصحابة الذين أدركوا عصر النبوة ، ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبلغوا إلا بعد موته .

ولا تشترط الرؤية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ; لأن من كان أعمى مثل ابن أم مكتوم قد وقع الاتفاق على أنه من الصحابة .

وقد ذكر الآمدي وابن الحاجب وغيرهما من أهل الأصول ، أن الخلاف في مثل هذه المسألة لفظي ، ولا وجه لذلك ، فإن من قال بالعدالة على العموم ، لا يطلب تعديل أحد منهم ، ومن اشترط في شروط الصحبة شرطا ، لا يطلب التعديل مع وجود ذلك الشرط ، ويطلبه مع عدمه ، فالخلاف معنوي لا لفظي .

التالي السابق


الخدمات العلمية