إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
[ ص: 230 ] [ ص: 231 ] المقصد الثالث : الإجماع وفيه أبحاث

[ ص: 232 ] [ ص: 233 ] البحث الأول : في مسماه لغة واصطلاحا

قال في المحصول : الإجماع يقال بالاشتراك على معنيين :

أحدهما : العزم ، قال الله تعالى فأجمعوا أمركم ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل .

وثانيهما : الاتفاق ، يقال : أجمع القوم على كذا أي صاروا ذوي جمع ، كما يقال : ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وذا تمر . انتهى .

واعترض على هذا بأن إجماع الأمة يتعدى ب ( على ) والإجماع بمعنى العزيمة لا يتعدى ب ( على ) .

وأجيب عنه : بما حكاه ابن فارس في المقاييس فإنه قال : يقال أجمعت على الأمر إجماعا ، وأجمعته .

وقد جزم بكونه مشتركا بين المعنيين أيضا الغزالي .

وقال القاضي : العزم يرجع إلى الاتفاق ; لأن من اتفق على شيء ، فقد عزم عليه ، وقال ابن برهان وابن السمعاني : الأول أي العزم أشبه باللغة ، والثاني أي الاتفاق أشبه بالشرع .

ويجاب عنه : بأن الثاني وإن كان أشبه بالشرع فذلك لا ينافي كونه معنى لغويا ، وكون اللفظ مشتركا بينه وبين العزم .

قال أبو علي الفارسي : يقال أجمع القوم إذا صاروا ذوي جمع ، كما يقال ألبن وأتمر إذا صار ذا لبن وتمر .

وأما في الاصطلاح : فهو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد [ ص: 234 ] وفاته في عصر من الأعصار على أمر من الأمور .

والمراد بالاتفاق الاشتراك ، إما في الاعتقاد ، أو في القول ، أو في الفعل .

ويخرج بقوله ( مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) اتفاق العوام ، فإنه لا عبرة بوفاقهم ولا بخلافهم .

ويخرج منه أيضا : اتفاق بعض المجتهدين .

وبالإضافة إلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خرج اتفاق الأمم السابقة .

ويخرج بقوله ( بعد وفاته ) الإجماع في عصره صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه لا اعتبار به .

ويخرج بقوله ( في عصر من الأعصار ) ما يتوهم من أن المراد بالمجتهدين جميع مجتهدي الأمة في جميع الأعصار إلى يوم القيامة ، فإن هذا توهم باطل ; لأنه يؤدي إلى عدم ثبوت الإجماع ، إذ لا إجماع قبل يوم القيامة ، وبعد يوم القيامة لا حاجة للإجماع .

والمراد بالعصر : عصر من كان من أهل الاجتهاد في الوقت الذي حدثت فيه المسألة ، فلا يعتد بمن صار مجتهدا بعد حدوثها ، وإن كان المجتهدون فيها أحياء .

وقوله ( على أمر من الأمور ) يتناول الشرعيات ، والعقليات والعرفيات ، واللغويات .

ومن اشترط في حجية الإجماع انقراض عصر المجتهدين المتفقين على ذلك الأمر ، زاد في الحد قيد الانقراض .

ومن اشترط عدم سبق خلاف مستقر ، زاد في الحد قيد عدم كونه مسبوقا بخلاف .

ومن اشترط عدالة المتفقين أو بلوغهم عدد التواتر ، زاد في الحد ما يفيد ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية