إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
[ ص: 323 ] الفصل الثامن : في كون القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول

اختلفوا هل القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول ؟ ؟ هذه المسألة لها صورتان :

الصورة الأولى : الأمر المقيد ، كما إذا قال : افعل في هذا الوقت ، فلم يفعل حتى مضى ، فالأمر الأول هل يقتضي إيقاع ذلك الفعل فيما بعد ذلك الوقت ، فقيل لا يقتضي لوجهين :

الأول : أن قول القائل لغيره : افعل هذا الفعل يوم الجمعة الجمعة ، لا يتناول الأمر بفعله بعده ، وإذا لم يتناوله يتناوله لم يدل عليه بنفي ولا إثبات .

الثاني : أن أوامر الشرع تارة لا تستلزم وجوب القضاء ، كما في صلاة الجمعة الجمعة ، وتارة تستلزمه ، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال فلا يلزم يلزم القضاء إلا بأمر جديد ، وهو الحق ، وإليه ذهب الجمهور .

وذهب جماعة من الحنابلة والحنفية والمعتزلة إلى أن وجوب القضاء يستلزمه بالأداء في الزمان المعين ; لأن الزمان غير داخل في الأمر بالفعل .

ورد ورد : بأنه داخل لكونه من ضروريات الفعل المعين المعين وقته وقته ، وإلا لزم أن يجوز التقديم على ذلك الوقت المعين المعين ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله .

الصورة الثانية : الأمر المطلق ، وهو أن يقول : افعل ، ولا يقيده بزمان معين ، فإذا لم يفعل المكلف ذلك في أول أوقات الإمكان ، فهل يجب فعله فعله فيما بعد ، أو يحتاج إلى دليل ؟ ؟ فمن لم يقل بالفور يقول : إن ذلك الأمر المطلق يقتضي الفعل مطلقا ، فلا يخرج المكلف عن العهدة إلا بفعله ، ومن قال بالفور : قال إنه يقتضي الفعل بعد أول أوقات الإمكان ، وبه قال أبو بكر الرازي .

ومن القائلين بالفور من يقول : إنه لا يقتضيه ، بل لا بد في ذلك من دليل زائد .

قال في المحصول : ومنشأ الخلاف أن قول القائل لغيره : افعل هل معناه افعل في الزمان الثاني ؟ ؟ فإن عصيت ففي الثالث فإن عصيت ففي الرابع ، ثم كذلك أبدا ، أو معناه في الثاني من غير بيان حال الزمان الثالث والرابع ، فإن قلنا بالأول اقتضى الأمر الأول الفعل في سائر الأزمان ، وإن قلنا بالثاني لم يقتضه .

والحق أن الأمر المطلق يقتضي الفعل من غير تقييد بزمان ، فلا يخرج المكلف عن [ ص: 324 ] عهدته عهدته إلا بفعله ، وهو أداء وإن طال التراخي ; لأن تعيين بعض أجزاء الوقت له لا دليل عليه ، واقتضاؤه الفور لا يستلزمه أنه بعد أول أوقات الإمكان قضاء ، بل غاية ما يستلزمه أن يكون المكلف آثما بالتأخير عنه إلى وقت آخر .

وقد استدل استدل للقائلين بأن الأمر المقيد بوقت معين لا يقتضي إيقاع ذلك الفعل في وقت آخر بأنه لو وجب القضاء بالأمر الأول لكان مقتضيامقتضيا للقضاء ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله ، أما الملازمة فبينة ، إذ الوجوب أخص من من الاقتضاء ، وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ، وأما انتفاء اللازم فلأنا قاطعون بأن قول القائل : صم يوم الخميس ، لا يقتضي يوم الجمعة الجمعة بوجه من وجوه الاقتضاء ، ولا يتناوله أصلا .

واستدل واستدل لهم أيضا : بأنه لو وجب القضاء بالأمر الأول لاقتضاه ، ولو اقتضاه لكان أداء فيكونان سواء ، فلا يأثم بالتأخير .

وأجيب عن هذا : بأن الأمر المقيد بوقت أمر بإيقاع الفعل في ذلك الوقت المعين المعين ، فإذا فات قبل إيقاع الفعل فيه ، بقي الوجوب مع نقص فيه ، فكان إيقاعه فيما بعد قضاء .

ويرد ويرد هذا : بمنع بقاء الوجوب بعد انقضاء الوقت المعين .

واستدل القائلون : بأن القضاء بالأمر الأول بقولهم الوقت للمأمور به كالأجل للدين للدين ، فكما أن الدين الدين لا يسقط بترك تأديته في أجله المعين ، بل يجب القضاء فيما بعده ، فكذلك المأمور به إذا لم يفعل يفعل في وقته المعين المعين .

ويجاب عن هذا بالفرق بينهما بالإجماع على عدم سقوط الدين الدين إذا انقضى أجله ، ولم يقضه من هو عليه ، وبأن الدين الدين يجوز تقديمه على أجله المعين المعين بالإجماع ، بخلاف محل النزاع فإنه لا يجوز تقديمه عليه بالإجماع .

واستدلوا أيضا : بأنه لو وجب بأمر جديد لكان أداء ; لأنه أمر أمر بفعله بعد ذلك الوقت المعينالمعين ، فكان كالأمر بفعله ابتداء .

ويجاب عنه بأنه لا بد في الأمر بالفعل بعد انقضاء ذلك الوقت من قرينة تدل على أنه يفعل استدراكا لما فات ، أما مع عدم القرينة الدالة على ذلك ، فما قالوه ملتزم ملتزم ، ولا يضرنا ، ولا ينفعهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية