الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        [ ص: 323 ] الفصل الثامن : في كون القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول

                        اختلفوا هل القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول ؟ ؟ هذه المسألة لها صورتان :

                        الصورة الأولى : الأمر المقيد ، كما إذا قال : افعل في هذا الوقت ، فلم يفعل حتى مضى ، فالأمر الأول هل يقتضي إيقاع ذلك الفعل فيما بعد ذلك الوقت ، فقيل لا يقتضي لوجهين :

                        الأول : أن قول القائل لغيره : افعل هذا الفعل يوم الجمعة الجمعة ، لا يتناول الأمر بفعله بعده ، وإذا لم يتناوله يتناوله لم يدل عليه بنفي ولا إثبات .

                        الثاني : أن أوامر الشرع تارة لا تستلزم وجوب القضاء ، كما في صلاة الجمعة الجمعة ، وتارة تستلزمه ، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال فلا يلزم يلزم القضاء إلا بأمر جديد ، وهو الحق ، وإليه ذهب الجمهور .

                        وذهب جماعة من الحنابلة والحنفية والمعتزلة إلى أن وجوب القضاء يستلزمه بالأداء في الزمان المعين ; لأن الزمان غير داخل في الأمر بالفعل .

                        ورد ورد : بأنه داخل لكونه من ضروريات الفعل المعين المعين وقته وقته ، وإلا لزم أن يجوز التقديم على ذلك الوقت المعين المعين ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله .

                        الصورة الثانية : الأمر المطلق ، وهو أن يقول : افعل ، ولا يقيده بزمان معين ، فإذا لم يفعل المكلف ذلك في أول أوقات الإمكان ، فهل يجب فعله فعله فيما بعد ، أو يحتاج إلى دليل ؟ ؟ فمن لم يقل بالفور يقول : إن ذلك الأمر المطلق يقتضي الفعل مطلقا ، فلا يخرج المكلف عن العهدة إلا بفعله ، ومن قال بالفور : قال إنه يقتضي الفعل بعد أول أوقات الإمكان ، وبه قال أبو بكر الرازي .

                        ومن القائلين بالفور من يقول : إنه لا يقتضيه ، بل لا بد في ذلك من دليل زائد .

                        قال في المحصول : ومنشأ الخلاف أن قول القائل لغيره : افعل هل معناه افعل في الزمان الثاني ؟ ؟ فإن عصيت ففي الثالث فإن عصيت ففي الرابع ، ثم كذلك أبدا ، أو معناه في الثاني من غير بيان حال الزمان الثالث والرابع ، فإن قلنا بالأول اقتضى الأمر الأول الفعل في سائر الأزمان ، وإن قلنا بالثاني لم يقتضه .

                        والحق أن الأمر المطلق يقتضي الفعل من غير تقييد بزمان ، فلا يخرج المكلف عن [ ص: 324 ] عهدته عهدته إلا بفعله ، وهو أداء وإن طال التراخي ; لأن تعيين بعض أجزاء الوقت له لا دليل عليه ، واقتضاؤه الفور لا يستلزمه أنه بعد أول أوقات الإمكان قضاء ، بل غاية ما يستلزمه أن يكون المكلف آثما بالتأخير عنه إلى وقت آخر .

                        وقد استدل استدل للقائلين بأن الأمر المقيد بوقت معين لا يقتضي إيقاع ذلك الفعل في وقت آخر بأنه لو وجب القضاء بالأمر الأول لكان مقتضيامقتضيا للقضاء ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله ، أما الملازمة فبينة ، إذ الوجوب أخص من من الاقتضاء ، وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ، وأما انتفاء اللازم فلأنا قاطعون بأن قول القائل : صم يوم الخميس ، لا يقتضي يوم الجمعة الجمعة بوجه من وجوه الاقتضاء ، ولا يتناوله أصلا .

                        واستدل واستدل لهم أيضا : بأنه لو وجب القضاء بالأمر الأول لاقتضاه ، ولو اقتضاه لكان أداء فيكونان سواء ، فلا يأثم بالتأخير .

                        وأجيب عن هذا : بأن الأمر المقيد بوقت أمر بإيقاع الفعل في ذلك الوقت المعين المعين ، فإذا فات قبل إيقاع الفعل فيه ، بقي الوجوب مع نقص فيه ، فكان إيقاعه فيما بعد قضاء .

                        ويرد ويرد هذا : بمنع بقاء الوجوب بعد انقضاء الوقت المعين .

                        واستدل القائلون : بأن القضاء بالأمر الأول بقولهم الوقت للمأمور به كالأجل للدين للدين ، فكما أن الدين الدين لا يسقط بترك تأديته في أجله المعين ، بل يجب القضاء فيما بعده ، فكذلك المأمور به إذا لم يفعل يفعل في وقته المعين المعين .

                        ويجاب عن هذا بالفرق بينهما بالإجماع على عدم سقوط الدين الدين إذا انقضى أجله ، ولم يقضه من هو عليه ، وبأن الدين الدين يجوز تقديمه على أجله المعين المعين بالإجماع ، بخلاف محل النزاع فإنه لا يجوز تقديمه عليه بالإجماع .

                        واستدلوا أيضا : بأنه لو وجب بأمر جديد لكان أداء ; لأنه أمر أمر بفعله بعد ذلك الوقت المعينالمعين ، فكان كالأمر بفعله ابتداء .

                        ويجاب عنه بأنه لا بد في الأمر بالفعل بعد انقضاء ذلك الوقت من قرينة تدل على أنه يفعل استدراكا لما فات ، أما مع عدم القرينة الدالة على ذلك ، فما قالوه ملتزم ملتزم ، ولا يضرنا ، ولا ينفعهم .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية