الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 115 ] المسألة السادسة

إذا روى الصحابي خبرا ، فلا يخلو إما أن يكون مجملا أو ظاهرا أو قاطعا في متنه .

فإن كان مجملا مشتركا بين محامل على السوية ، كلفظ القروء ونحوه ، فإن حمله الراوي على بعض محامله ، فإن قلنا إن اللفظ المشترك ظاهر العموم في جميع محامله ، كما سيأتي تقريره ، فهو القسم الثاني وسيأتي الكلام فيه .

وإن قلنا : بامتناع حمله على جميع محامله فلا نعرف خلافا في وجوب حمل الخبر على ما حمله الراوي عليه ؛ لأن الظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه لا ينطق باللفظ المجمل ، لقصد التشريع وتعريف الأحكام ، ويخليه عن حالية أو مقالية تعين المقصود من الكلام .

والصحابي الراوي المشاهد للحال أعرف بذلك من غيره ، فوجب الحمل عليه ، ولا يبعد أن يقال بأن تعيينه لا يكون حجة على غيره من المجتهدين حتى ينظر ، فإن انقدح له وجه يوجب تعيين غير ذلك الاحتمال ، وجب عليه اتباعه ، وإلا فتعيين الراوي صالح للترجيح ، فيجب اتباعه .

وأما إن كان اللفظ ظاهرا في معنى ، وحمله الراوي على غيره ، فمذهب الشافعي وأبي الحسين الكرخي وأكثر الفقهاء أنه يجب الحمل على ظاهر الخبر دون تأويل الراوي : ولهذا قال الشافعي كيف أترك الخبر لأقوال أقوام ، لو عاصرتهم لحاججتهم بالحديث ؟ وذهب بعض أصحاب أبي حنيفة وغيرهم إلى وجوب العمل بمذهب الراوي .

وقال القاضي عبد الجبار : إن لم يكن لمذهب الراوي وتأويله وجه ، سوى علمه بقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك التأويل وجب المصير إليه .

وإن لم يعلم ذلك بل جوز أن يكون قد صار إليه لدليل ظهر له ، من نص أو قياس وجب النظر إلى ذلك الدليل ، فإن كان مقتضيا لما ذهب إليه ، وجب المصير إليه وإلا فلا ، وهذا اختيار أبي الحسين البصري .

والمختار أنه إن علم مأخذه في المخالفة ، وكان ذلك مما يوجب حمل الخبر على ما ذهب إليه الراوي ، وجب اتباع ذلك الدليل لا لأن الراوي عمل به ، فإنه ليس عمل أحد المجتهدين حجة على الآخر .

[ ص: 116 ] وإن جهل مأخذه فالواجب العمل بظاهر اللفظ ، وذلك لأن الراوي عدل ، وقد جزم بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الأصل في وجوب العمل بالخبر ، ومخالفة الراوي له ، فيحتمل أنه كان لنسيان طرأ عليه ، ويحتمل أنه كان لدليل اجتهد فيه وهو مخطئ فيه ، أو هو مما يقول به دون غيره من المجتهدين ، كما عرف من مخالفة مالك ، لخبر خيار المجلس بما رآه من إجماع أهل المدينة على خلافه ، ويحتمل أنه علم ذلك علما لا مراء فيه ، من قصد النبي له .

وإذا تردد بين هذه الاحتمالات ، فالظاهر لا يترك بالشك والاحتمال ، وعلى كل تقدير فبمخالفته للخبر ، لا يكون فاسقا ، حتى يمتنع العمل بروايته ، وبهذا يندفع قول الخصم إنه إن أحسن الظن بالراوي وجب حمل الخبر على ما حمله عليه ، وإن أسيئ به الظن امتنع العمل بروايته .

وأما إن كان الخبر نصا في دلالته ، غير محتمل للتأويل والمخالفة ، فلا وجه لمخالفة الراوي له سوى احتمال اطلاعه على ناسخ ، ولعله يكون ناسخا في نظره ، ولا يكون ناسخا عند غيره من المجتهدين .

وما ظهر في نظره لا يكون حجة على غيره .

وإذا كان ذلك محتملا ، فلا يترك النص الذي لا احتمال فيه لأمر محتمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية