الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
شبه القائلين بالوجوب

وقد ذكر أبو الحسين البصري في ذلك ما يناهز ثلاثين شبهة دائرة بين غث وثمين . وها نحن نلخص حاصلها ، ونأتي على المعتمد من جملتها ، مع حذف الزيادات العرية عن الفائدة ، ونشير إلى جهة الانفصال عنها ، ثم نذكر بعد ذلك شبه القائلين بالندب ، وطرق تخريجها إن شاء الله تعالى .

فأما شبه القائلين بالوجوب فشرعية ، ولغوية ، وعقلية .

أما الشرعية : فمنها ما يرجع إلى الكتاب ، ومنها ما يرجع إلى السنة ، ومنها ما يرجع إلى الإجماع .

أما الكتاب : فقوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ثم هدد عليه بقوله : ( فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ) والتهديد على المخالفة دليل الوجوب .

وأيضا قوله تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ووجه الاستدلال به ما سبق في الآية التي قبلها .

وأيضا قوله تعالى لإبليس : ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) أورد ذلك في معرض الذم بالمخالفة ، لا في معرض الاستفهام اتفاقا ، وهو دليل الوجوب .

[ ص: 147 ] وأيضا قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) ذمهم على المخالفة ، وهو دليل الوجوب ، وأيضا قوله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) والمراد من قوله : ( قضى ) أي ألزم ومن قوله : ( أمرا ) أي مأمورا وما لا خيرة فيه من المأمورات لا يكون إلا واجبا .

وأيضا قوله تعالى : ( أفعصيت أمري ) وقوله : ( لا يعصون الله ما أمرهم ) وقوله : ( ولا أعصي لك أمرا ) وصف مخالفة الأمر بالعصيان ، وهو اسم ذم ، وذلك لا يكون في غير الوجوب .

وأيضا قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ) أي أمرت ولولا أن الأمر للوجوب لما كان كذلك .

وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم لبريرة وقد عتقت تحت عبد وكرهته ( لو راجعتيه - فقالت بأمرك يا رسول الله - فقال : لا إنما أنا شافع - فقالت : لا حاجة لي فيه ) فقد عقلت أنه لو كان أمرا لكان واجبا ، والنبي صلى الله عليه وسلم قررها عليه .

وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم : ( لولا أن أشق على أمتي ، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) وهو دليل الوجوب ، وإلا فلو كان الأمر للندب ، فالسواك مندوب .

وأيضا قوله لأبي سعيد الخدري حيث لم يجب دعاءه وهو في الصلاة ( أما سمعت الله تعالى يقول : ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) وبخه على مخالفة أمره ، وهو دليل الوجوب .

وأيضا فإنه لما سأله الأقرع بن حابس ( أحجنا هذا لعامنا أم للأبد ) قال صلى الله عليه وسلم : بل للأبد ولو قلت : نعم لوجبت >[1] .

وذلك دليل على أن أوامره للوجوب .

[ ص: 148 ] وأما الإجماع فهو أن الأمة في كل عصر لم تزل راجعة في إيجاب العبادات إلى الأوامر من قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) إلى غير ذلك من غير توقف ، وما كانوا يعدلون إلى غير الوجوب إلا لمعارض .

وأيضا فإن أبا بكر رضي الله عنه ، استدل على وجوب الزكاة على أهل الردة بقوله : ( وآتوا الزكاة ) ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، فكان ذلك إجماعا .

وأما من جهة اللغة فمن وجوه .

الأول : وصف أهل اللغة من خالف الأمر بكونه عاصيا ، ومنه قولهم ( أمرتك ، فعصيتني ) وقوله تعالى : ( أفعصيت أمري ) وقول الشاعر :

أمرتك أمرا حازما فعصيتني

>[2] والعصيان اسم ذم ، وذلك في غير الوجوب ممتنع ، وأيضا فإن السيد إذا أمر عبده بأمر ، فخالفه ، حسن الحكم من أهل اللغة بذمه واستحقاقه للعذاب ، ولولا أن الأمر للوجوب لما كان كذلك .

وأما من جهة العقل فمن وجوه .

الأول : أن الإيجاب من المهمات في مخاطبة أهل اللغة ، فلو لم يكن الأمر للوجوب لخلا الوجوب عن لفظ يدل عليه ، وهو ممتنع مع دعوى الحاجة إليه .

وأيضا فإنه قد ثبت أن الطلب لا يخرج عن الوجوب والندب ، ويمتنع أن يكون حقيقة في الندب ، لا بجهة الاشتراك ولا التعيين ولا بطريق التخيير [ ص: 149 ] لأن حمل الطلب على الندب معناه ، افعل إن شئت ، وهذا الشرط غير مذكور في الطلب فيمتنع حمل الطلب عليه بوجه من هذه الوجوه ، ويلزم من ذلك أن يكون حقيقة في الوجوب .

وأيضا فإن الأمر مقابل للنهي ، والنهي يقتضي ترك الفعل والامتناع من الفعل جزما ، فالأمر يجب أن يكون مقتضيا للفعل ومانعا من الترك جزما .

وأيضا فإن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده ، والنهي عن أضداده مما يمنع من فعلها ، وذلك غير متصور دون فعل المأمور به ، فكان واجبا .

وأيضا فإن حمل الأمر على الوجوب أحوط للمكلف ; لأنه إن كان للوجوب فقد حصل المقصود الراجح وأمن من ضرر تركه ، وإن كان للندب فحمله على الوجوب يكون أيضا نافعا غير مضر ، ولو حملناه على الندب ، لم نأمن من الضرر بتقدير كونه واجبا لفوات المقصود الراجح .

وأيضا فإن المندوب داخل في الواجب من غير عكس ، فحمل الأمر على الوجوب لا يفوت معه المقصود من الندب ، بخلاف الحمل على الندب ، فكان حمله على الوجوب أولى .

وأيضا فإن الأمر موضوع لإفادة معنى ، وهو إيجاد الفعل ، فكان مانعا من نقيضه كالخبر ، وأيضا فإن الأمر بالفعل يفيد رجحان وجود الفعل على عدمه ، وإلا كان مرجوحا أو مساويا ، ولو كان مرجوحا لما أمر به لما فيه من الإخلال بالمصلحة الزائدة في الترك والتزام المفسدة الراجحة في الفعل ، وهو قبيح ، ولو كان مساويا لم يكن الأمر به أولى من النهي عنه ، وذلك أيضا قبيح .

وإذا كان راجحا ، فلو جاز تركه ، لزم منه الإخلال بأرجح المقصودين ، وهو قبيح ، فلا يرد به الشرع فتعين الامتناع من الترك ، وهو معنى الوجوب .

والجواب من جهة الإجمال ، والتفصيل ، أما الإجمال فهو أن جميع ما ذكروه لا خروج له عن الظن ، وإنما يكون مفيدا فيما يطلب فيه الظن فقط وهو غير مسلم فيما نحن فيه >[3] .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ; نحن نحكم بالظاهر " >[4] فظني في صحة الاحتجاج به فيما نحن فيه ، فعلى ما تقدم .

[ ص: 150 ] وأما من جهة التفصيل ، فإنا نخص كل شبهة بجواب .

أما قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) فهو أمر والخلاف في اقتضائه للوجوب بحاله ، وقوله : ( فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ) فإما أن لا يكون للتهديد بل للإخبار بأن الرسول عليه ما حمل من التبليغ ، وعليكم ما حملتم من القبول ، وليس في ذلك ما يدل على كون الأمر للوجوب ، وإن كان للتهديد فهو دليل على الوجوب فيما هدد على تركه ومخالفته من الأوامر ، وليس فيه ما يدل على أن كل أمر مهدد بمخالفته ، بدليل أمر الندب ، فإن المندوب مأمور به ، على ما سيأتي وليس مهددا على مخالفته .

وإذا انقسم الأمر إلى مهدد عليه ، وغير مهدد ، وجب اعتقاد الوجوب فيما هدد عليه ، دون غيره ، وبه يخرج الجواب عن كل صيغة أمر هدد على مخالفتها ، وحذر منها ، ووصف مخالفها بكونه عاصيا ، وبه دفع أكثر ما ذكروه من الآيات .

ويخص قوله تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) بأنه غير عام في كل أمر بصيغته >[5] .

وإن قيل بالتعميم بالنظر إلى معقوله من جهة أنه مناسب رتب التحذير على مخالفته ، فإنما يصح أن لو لم يتخلف الحكم عنه في أمر الندب ، وقد تخلف فلا يكون حجة >[6] وأيضا ، فإن غايته أنه حذر من مخالفة أمره ، .

ومخالفة أمره أن لا يعتقد موجبه ، وأن لا يفعل على ما هو عليه من إيجاب أو ندب ، ونحن نقول به ، وليس فيه ما يدل على أن كل أمر للوجوب .

ويخص قوله لإبليس : ( ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) بأنه غير عام في كل أمر .

[ ص: 151 ] ويخص قوله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ) الآية بأن المراد من قوله أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ، أي في اعتقاد وجوب المأمور به أو ندبه وفعله على ما هو عليه ، إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب .

ويخص قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ) الآية ، بأنه لا حجة فيها .

وقوله : ( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ) أي حكمت به من الوجوب والندب والإباحة والتحريم ونحوه ، وليس فيه ما يدل على أن كل ما يقضي به يكون واجبا .

وأما حديث بريرة فلا حجة فيه ، فإنها إنما سألت عن الأمر طلبا للثواب بطاعته ، والثواب والطاعة >[7] قد يكون بفعل المندوب ، وليس في ذلك ما يدل على أنها فهمت من الأمر الوجوب ، فحيث لم يكن أمرا لمصلحة أخروية لا بجهة الوجوب ولا بجهة الندب ، قالت : لا حاجة لي فيه .

فإن قيل : فإجابة شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم مندوب إليها ، فإذا لم يكن مأمورا بها ، تعين أن يكون الأمر للوجوب .

قلنا : إذا سلم أن الشفاعة في صورة بريرة غير مأمور بإجابتها ، فلا نسلم أنها كانت في تلك الصورة مندوبة ، ضرورة أن المندوب عندنا لا بد وأن يكون مأمورا به >[8] .

وأما السواك ففيه ما يدل على أنه أراد بالأمر أمر الوجوب ، بدليل أنه قرن به المشقة ، والمشقة لا تكون إلا في فعل الواجب ، لكونه متحتما بخلاف المندوب لكونه في محل الخيرة بين الفعل والترك ، ولا يمتنع صرف الأمر إلى الوجوب بقرينة ، ودخول حرف ( لولا ) على مطلق الأمر لا يمنع من هذا التأويل .

[ ص: 152 ] وأما خبر أبي سعيد الخدري >[9] فلا حجة فيه أيضا ، فإن قوله تعالى : ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) إنما كان محمولا على وجوب إجابة النداء ، تعظيما لله تعالى ، ولرسوله في إجابة دعائه ، ونفيا للإهانة عنه والتحقير له ، بالإعراض عن إجابة دعائه لما فيه من هضمه في النفوس ، وإفضاء ذلك إلى الإخلال بمقصود البعثة ، ولا يمتنع صرف الأمر إلى الوجوب بقرينة .

وأما خبر الحج ، فلا دلالة فيه ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ولو قلت نعم لوجب " ليس أمرا ليكون للوجوب ، بل لأنه يكون بيانا لقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت ) فإنه مقتض للوجوب ، غير أنه متردد بين التكرار والمرة الواحدة فقوله : " لو قلت نعم لوجب " ( أي ) تكرره لأنه يكون بيانا لما أوجبه الله تعالى ، لا أنه يكون موجبا .

وأما ما ذكروه من الإجماع ، فإن أريد به أن الأمة كانت ترجع في الوجوب إلى مطلق الأوامر فهو غير مسلم ، وليس هو أولى من قول القائل إنهم كانوا يرجعون في الندب إلى مطلق الأوامر ، مع أن أكثر الأوامر للمندوبات ، وإن أريد به أنهم كانوا يرجعون في الوجوب إلى الأوامر المقترنة بالقرائن ، فلا حجة فيه .

وأما قصة أبي بكر فلا حجة في احتجاجه بقوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة ) على أن الأمر بمطلقه للوجوب ، وذلك لأنهم لم يكونوا منكرين لأصل الوجوب ، حتى يستدل على الوجوب بالآية ، بل إنما أنكروا التكرار ، والاستدلال على تكرار ما وجب لا يكون استدلالا على نفس اقتضاء الأمر بمطلقه للوجوب >[10] .

وأما قولهم : إن أهل اللغة يصفون من خالف الأمر المطلق بالعصيان ، ويحكمون عليه باستحقاق الذم والتوبيخ ، ليس كذلك فإنه ليس القول بملازمة هذه الأمور للأمر المطلق ، وملازمة انتفائها للأمر المقيد بالقرينة في المندوبات أولى من العكس .

[ ص: 153 ] فإن قيل : بل تقييد المندوب بالقرينة ، أولى من تقييد الواجب بها ، فإنها بتقدير خفائها تحمل على الوجوب وهو نافع غير مضر .

وبتقدير تقييد الواجب بها يلزم الإضرار بترك الواجب بتقدير خفائها ، لفوات المقصود الأعظم منه ، فهو معارض بأن الأوامر الواردة في المندوبات ، أكثر منها في الواجبات ، فإنه ما من واجب إلا ويتبعه مندوبات ، والواجب غير لازم للمندوب ، ولا يخفى أن المحذور في تقييد الأعم بالقرينة لاحتمال خفائها ، أعظم من محذور ذلك في الأخص .

وأما الشبه العقلية قولهم : إن الوجوب من المهمات .

قلنا : والندب من المهمات ، وليس إخلاء أحد الأمرين من لفظ يدل عليه ، أولى من الآخر .

وإن قيل : بأن المندوب له لفظ يدل عليه ، وهو قول القائل : ( ندبت ورغبت ) فللوجوب أيضا لفظ يدل عليه ، وهو قوله ( أوجبت وألزمت وحتمت ) .

قولهم : إنه يمتنع أن يكون الأمر حقيقة في الندب ; لما ذكروه ، فهو مقابل بمثله فإن حمل الطلب على الوجوب معناه ، افعل وأنت ممنوع من الترك ، وهو غير مذكور في الطلب ، فلا يكون حمله على أحدهما أولى من الآخر .

قولهم إن النهي يقتضي المنع من الفعل ، فيجب أن يكون الأمر مقتضيا للمنع من الترك .

قلنا : لا نسلم أن مطلق النهي يقتضي المنع من الفعل إلا أن يدل عليه دليل ، كما ذكرناه في الأمر .

وإن صح ذلك في النهي فحاصل ما ذكروه راجع إلى القياس في اللغة ، وهو باطل بما سبق .

قولهم إن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده غير مسلم كما يأتي ، وإن سلم ، ولكن إنما يمكن القول بأن النهي عن أضداد المأمور به مما يمنع من فعلها ، إن لو كان الأمر للوجوب ، وإلا فبتقدير أن يكون للندب فالنهي عن أضداده يكون نهي تنزيه ، فلا يمنع من فعلها ، وعند ذلك فيلزم منه توقف الوجوب على كون النهي عن أضداده مانعا ، وذلك متوقف على كون الأمر للوجوب ، وهو دور ممتنع .

قولهم : إن حمل الطلب على الوجوب أحوط للمكلف على ما ذكروه ، فهو معارض بما يلزم من حمله على الوجوب من الإضرار اللازم من الفعل الشاق بتقدير [ ص: 154 ] فعله ، والعقاب بتقدير تركه ، ولما فيه من مخالفة النفي الأصلي بما اختص به الوجوب من زيادة الذم والوصف بالعصيان ، بخلاف المندوب ، كيف وإن المكلف إذا نظر وظهر له أن الأمر للندب ، فقد أمن الضرر ، وحصل مقصود الأمر .

قولهم : إن المندوب داخل في الواجب ، ليس كذلك على ما سبق تقريره .

قولهم : إن الأمر موضوع لمعنى ، فكان مانعا من نقيضه دعوى محل النزاع ، والقياس على الخبر من باب القياس في اللغات ، وهو باطل بما سبق >[11] .

ثم إنه منقوض بالأمر بالمندوب ، فإنه مأمور به على ما سبق >[12] .

فإن قيل لا يلزم من مخالفة الدليل في المندوب المخالفة مطلقا .

قلنا : يجب أن نعتقد أن ما ذكروه ليس بدليل حتى لا يلزم منه المخالفة في المندوب .

وما ذكروه من الأخيرة فهي منتقضة بالمندوب ، وأما شبه القائلين بالندب ، فمنها نقلية وعقلية .

أما النقلية فقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذ نهيتكم عن شيء فانتهوا " فوض الأمر إلى استطاعتنا ومشيئتنا وهو دليل الندبية .

وأما العقلية فهو أن المندوب ما فعله خير من تركه ، وهو داخل في الواجب ، فكل واجب مندوب ، وليس كل مندوب واجبا ؛ لأن الواجب ما يلام على تركه ، والمندوب ليس كذلك ، فوجب جعل الأمر حقيقة فيه لكونه متيقنا .

وجوابهما من جهة الإجمال ، فما سبق في جواب شبه القائلين بالوجوب .

ومن جهة التفصيل : عن الأولى أنه لا يلزم من قوله " ما استطعتم " تفويض الأمر إلى مشيئتنا ، فإنه لم يقل فافعلوا ما شئتم ، بل قال : " ما استطعتم " وليس ذلك خاصية للندب ، فإن كل واجب كذلك .

وعن الثانية ما سبق من امتناع وجود المندوب في الواجب ، ثم لو كان تنزيل لفظ الأمر على المتيقن لازما ، لكان جعله حقيقة في رفع الحرج عن الفعل أولى لكونه متيقنا بخلاف المندوب ، فإنه متميز بكون الفعل مترجحا على الترك ، وهو غير متيقن >[13] .

التالي السابق


الخدمات العلمية