الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 45 ] المسألة الثانية

اختلف الأصوليون في اشتمال اللغة على الأسماء المجازية ، فنفاه الأستاذ أبو إسحاق ومن تابعه ، وأثبته الباقون وهو الحق .

>[1] حجة المثبتين أنه قد ثبت إطلاق أهل اللغة اسم الأسد على الإنسان الشجاع ، والحمار على الإنسان البليد ، وقولهم : ظهر الطريق ومتنها ، وفلان على جناح السفر ، وشابت لمة الليل ، وقامت الحرب على ساق ، وكبد السماء ، إلى غير ذلك .

وإطلاق هذه الأسماء لغة مما لا ينكر إلا عن عناد ، وعند ذلك فإما أن يقال : إن هذه الأسماء حقيقة في هذه الصور ، أو مجازية لاستحالة خلو الأسماء اللغوية عنهما ما سوى الوضع الأول كما سبق تحقيقه ، لا جائز أن يقال بكونها حقيقة فيها ; لأنها حقيقة فيما سواها بالاتفاق .

فإن لفظ الأسد حقيقة في السبع ، والحمار في البهيمة ، والظهر والمتن والساق والكبد في الأعضاء المخصوصة بالحيوان ، واللمة في الشعر إذا جاوز شحمة الأذن . وعند ذلك فلو كانت هذه الأسماء حقيقية فيما ذكر من الصور لكان اللفظ مشتركا ، ولو كان مشتركا لما سبق إلى الفهم عند إطلاق هذه الألفاظ البعض دون البعض ضرورة التساوي في الدلالة الحقيقية . ولا شك أن السابق إلى الفهم من إطلاق لفظ الأسد إنما هو السبع ، ومن إطلاق لفظ الحمار إنما هو البهيمة ، وكذلك في باقي الصور .

كيف وإن أهل الأعصار لم تزل تتناقل في أقوالها وكتبها عن أهل الوضع تسمية هذا حقيقة وهذا مجازا .

>[2] [ ص: 46 ] فإن قيل : لو كان في لغة العرب لفظ مجازي فإما أن يفيد معناه بقرينة أو لا بقرينة ، فإن كان الأول فهو مع القرينة لا يحتمل غير ذلك المعنى ، فكان مع القرينة حقيقة في ذلك المعنى . وإن كان الثاني فهو أيضا حقيقة ; إذ لا معنى للحقيقة إلا ما يكون مستقلا بالإفادة من غير قرينة .

وأيضا فإنه ما من صورة من الصور إلا ويمكن أن يعبر عنها باللفظ الحقيقي الخاص بها ، فاستعمال اللفظ المجازي فيها مع افتقاره إلى القرينة من غير حاجة بعيد عن أهل الحكمة والبلاغة في وضعهم .

قلنا : جواب الأول أن المجاز لا يفيد عند عدم الشهرة إلا بقرينة ، ولا معنى للمجاز سوى هذا ، والنزاع في ذلك لفظي >[3] ، كيف وإن المجاز والحقيقة من صفات الألفاظ دون القرائن المعنوية ، فلا تكون الحقيقة صفة للمجموع .

وجواب الثاني : أن الفائدة في استعمال اللفظ المجازي دون الحقيقة قد تكون لاختصاصه بالخفة على اللسان ، أو لمساعدته في وزن الكلام نظما ونثرا ، والمطابقة ، والمجانسة ، والسجع ، وقصد التعظيم ، والعدول عن الحقيقي للتحقير ، إلى غير ذلك من المقاصد المطلوبة في الكلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية