المسألة السابعة عشرة  
اختلفوا في  
خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد من أمته  هل هو للباقين أم لا ؟ فنفاه أصحابنا وأثبته الحنابلة وجماعة من الناس .  
ودليلنا ما سبق في المسألة التي قبلها  
>[1]    .  
فإن قيل : ما ذكرتموه معارض بالنص والإجماع والمعنى .  
أما النص فقوله تعالى : (  
وما أرسلناك إلا كافة للناس     ) ، وقوله ، صلى الله عليه وسلم : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355253بعثت إلى الناس كافة وبعثت إلى الأحمر والأسود     " وقوله : "  
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة     " .  
وأما الإجماع فاتفاق الصحابة على رجوعهم في أحكام الحوادث إلى ما حكم به النبي - عليه السلام - على آحاد الأمة .  
فمن ذلك رجوعهم في حد الزنى إلى ما حكم به على (  
ماعز     ) ، ورجوعهم في المفوضة إلى قصة (  
بروع بنت واشق     ) ، ورجوعهم في ضرب الجزية على المجوس إلى ضربه - عليه السلام - الجزية على مجوس هجر .  
ولولا أن حكمه على الواحد حكم على الجماعة لما كان كذلك .  
وأما المعنى فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصص بعض الصحابة بأحكام دون غيره ، فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -  
لأبي بردة  في التضحية بعناق : "  
تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك     " ، وقوله  
لأبي بكرة  لما دخل الصف راكعا : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355256زادك الله حرصا ولا تعد     " وقوله لأعرابي زوجه بما معه من القرآن : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355257هذا لك وليس لأحد بعدك     " .   
[ ص: 264 ] وتخصيصه  
لخزيمة  بقبول شهادته وحده ، وتخصيصه  
 nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف  بلبس الحرير .  
ولولا أن الحكم بإطلاقه على الواحد حكم على الأمة لما احتاج إلى التنصيص بالتخصيص .  
والجواب عن الآية وعن قوله : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355258بعثت إلى الناس كافة وإلى الأحمر والأسود     " أنه وإن كان مبعوثا إلى الناس كافة فبمعنى أنه يعرف كل واحد ما يختص به من الأحكام كأحكام المريض والصحيح والمقيم والمسافر والحر والعبد والحائض والطاهر وغير ذلك ، ولا يلزم من ذلك اشتراك الكل فيما أثبت للبعض منهم  
>[2]    .  
وعن قوله : "  
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة     " أنه يجب تأويله على أن المراد به أنه حكم على الجماعة من جهة المعنى والقياس لا من جهة اللفظ  
>[3] لثلاثة أوجه :  
الأول : أن الحكم هو الخطاب ، وقد بينا في المسألة المتقدمة أن خطاب الواحد ليس هو بعينه خطابا للباقين  
>[4]    .  
الثاني : أنه لو كان بعينه خطابا للباقين لزم منه التخصيص بإخراج من لم يكن موافقا لذلك الواحد في السبب الموجب للحكم عليه .   
[ ص: 265 ] الثالث : أنه لو كان خطابه المطلق للواحد خطابا للجماعة لما احتاج إلى قوله : "  
حكمي على الواحد حكمي على الجماعة     " أو كانت فائدته التأكيد ، والأصل في الدلالات اللفظية إنما هو التأسيس .  
ثم وإن كان حكمه على الواحد حكما على الجماعة فلا يلزم اطراده في حكمه للواحد أن يكون حكما للجماعة ، فإنه فرق بين حكمه للواحد وحكمه عليه والخلاف واقع في الكل  
>[5]    .  
وأما ما ذكروه من رجوع الصحابة في أحكام الوقائع إلى حكمه على الآحاد فلا يخلو ، إما أن يقال : بذلك مع معرفتهم بالتساوي في السبب الموجب ، أو لا مع معرفتهم بذلك ، الثاني خلاف الإجماع ، وإن كان الأول فمستند التشريك في الحكم إنما كان الاشتراك في السبب لا في الخطاب  
>[6]    .  
وأما المعنى فقد سبق الجواب عنه في المسألة المتقدمة .