[ ص: 270 ] المسألة العشرون  
اختلفوا في  
دخول العبد تحت التكاليف بالألفاظ العامة المطقلة  كلفظ الناس والمؤمنين ، فأثبته الأكثرون ونفاه الأقلون إلا بقرينة ودليل يخصه .  
ومنهم من قال بدخوله في العمومات المثبتة لحقوق الله دون حقوق الآدميين ، وهو منسوب إلى  
أبي بكر الرازي  من أصحاب  
أبي حنيفة     .  
والمختار إنما هو الدخول ، وذلك ؛ لأن الخطاب إذا كان بلفظ الناس أو المؤمنين فهو لكل من هو من الناس والمؤمنين ، والعبد من الناس والمؤمنين حقيقة فكان داخلا في عمومات الخطاب بوضعه لغة إلا أن يدل دليل على إخراجه منه  
>[1]    .  
فإن قيل : العبد من حيث هو عبد مال لسيده ، ولذلك يتمكن من التصرف فيه حسب تصرفه في سائر الأموال ، وإذا كان مالا كان بمنزلة البهائم ، فلا يكون داخلا تحت عموم خطاب الشارع .  
سلمنا أنه ليس كالبهائم إلا أن أفعاله التي يتعلق بها التكليف ويحصل بها الامتثال مملوكة لسيده ، ويجب صرفها إلى منافعه بخطاب الشرع ، فلا يكون الخطاب متعلقا بصرفها إلى غير منافع السيد لما فيه من التناقض .  
سلمنا عدم التناقض غير أن الإجماع منعقد على إخراج العبد عن مطلق الخطاب العام بالجهاد والحج والعمرة والجمعة والعمومات الواردة بصحة التبرع والإقرار بالحقوق البدنية والمالية ، ولو كان داخلا تحت عموم الخطاب بمطلقه لكان خروجه عنها في هذه الصور على خلاف الدليل .   
[ ص: 271 ] سلمنا إمكان دخوله تحت مطلق الخطاب لغة إلا أن الرق مقتض لإخراجه عن عمومات الخطاب بطريق التخصيص ، وبيانه أنه صالح لذلك من حيث إنه مكلف بشغل جميع أوقاته بخدمة سيده بخطاب الشرع ، وحق السيد مقدم على حق الله - تعالى - لوجهين : الأول : أن السيد متمكن من منع العبد من التطوع بالنوافل مع أنها حق لله ، تعالى ، ولولا أن حق السيد مرجح لما كان كذلك .  
الثاني : أن حق الله - تعالى - مبني على المسامحة والمساهلة ؛ لأنه لا يتضرر بفوات حقوقه ولا ينتفع بحصولها ، وحق الآدمي مبني على الشح والمضايقة ؛ لأنه ينتفع بحصوله ويتضرر بفواته .  
والجواب عن السؤال الأول أن كون العبد مالا مملوكا لا يخرجه عن جنس المكلفين إلى جنس البهائم ، وإلا لما توجه نحو التكليف بالخطاب الخاص بالصلاة والصوم ونحوه ، وهو خلاف الإجماع .  
وعن السؤال الثاني : لا نسلم أن السيد مالك لصرف منافع العبد إليه في جميع الأوقات حتى في وقت تضايق وقت العبادة المأمور بها ، بل في غيره .  
وعلى هذا فلا تناقض .  
وعن الثالث : أن ذلك لا يدل على إخراج العبد عن كون العمومات متناولة له لغة لما بيناه ، بل غايته أنه خص بدليل ، والتخصيص غير مانع من العموم لغة .  
ولا يخفى أن القول بالتخصيص أولى من القول برفع العموم لغة مع تحققه ، وصار كما في تخصيص المريض والحائض والمسافر عن العمومات الواردة بالصوم والصلاة والجمعة والجهاد .  
وعن الرابع : بمنع تعلق حق السيد بمنافعه المصروفة إلى العبادات المأمور بها عند ضيق أوقاتها كما سبق ، والرق وإن اقتضى ذلك لمناسبته واعتباره ، فلا يقع في مقابلة الدلالة النصية على العبادة في ذلك الوقت ؛ لقوة دلالة النصوص على دلالة ما الحجة به مستندة إليها .  
والنصوص وإن كانت متناولة للعبد بعمومها إلا أنها متناولة للعبادة في وقتها المعين بخصوصها .  
والرق وإن كان مقتضيا لحق السيد      
[ ص: 272 ] بخصوصه إلا أن اقتضاءه لذلك الحق في وقت العبادة بعمومه ، فيتقابلان ، ويسلم الترجيح بالتنصيص كما سبق .  
قولهم : حق الآدمي مرجح على حق الله - تعالى - لا نسلم ذلك مطلقا .  
ولهذا فإن حق الله - تعالى - مرجح على حق السيد فيما وجب على العبد بالخطاب الخاص به إجماعا ، وبه يندفع ما ذكروه من الترجيح الأول .  
قولهم في الترجيح الثاني : إن السيد يتمكن من منع العبد من التنفل .  
قلنا : وإن أوجب ذلك ترجح جانب حق السيد على حقوق الله - تعالى - في النوافل فغير موجب لترجحه عليه في الفرائض  
>[2]    .