الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 308 ] المسألة الخامسة

مذهب أصحابنا أن الاستثناء من الإثبات نفي ، ومن النفي إثبات خلافا لأبي حنيفة .

ودليلنا في ذلك أن القائل إذا قال : لا إله إلا الله كان موحدا مثبتا للألوهية لله - سبحانه وتعالى - ونافيا لها عما سواه .

ولو كان نافيا للألوهية عما سوى الرب - تعالى - غير مثبت لها بالنسبة إلى الرب - تعالى - لما كان ذلك توحيدا لله - تعالى - لعدم إشعار لفظه بإثبات الألوهية لله - تعالى - وذلك خلاف الإجماع .

وأيضا فإنه إذا قال القائل : لا عالم في البلد إلا زيد كان ذلك من أدل الألفاظ على علم زيد وفضيلته ، وكان ذلك متبادرا إلى فهم كل سامع لغوي ، ولو كان نافيا للعلم عما سوى زيد ، غير مثبت للعلم لزيد لما كان كذلك .

وعلى هذا النحو في كل ما هو من هذا القبيل .

فإن قيل : لو كان الاستثناء من النفي إثباتا لكان قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولي ولا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء " مقتضيا تحقق الصلاة عند وجود الطهور ، والنكاح عند وجود الولي ، والبيع عند المساواة ، ولما لم يكن كذلك علم أن المراد بالاستثناء إخراج المستثنى عن دخوله في المستثنى منه ، وأنه غير متعرض لنفيه ولا إثباته .

قلنا : الطهور والولي والمساواة لا يصدق عليه اسم ما استثني منه فكان استثناء من غير الجنس ، وهو باطل بما تقدم ، وإنما سيق ذلك لبيان اشتراط الطهور في الصلاة ، والولي في النكاح ، والمساواة في صحة بيع البر بالبر .

والشرط وإن لزم من فواته فوات المشروط ، فلا يلزم من وجوده وجود المشروط لجواز انتفاء المقتضي أو فوات شرط آخر أو وجود مانع ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية