الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 309 ] النوع الثاني - التخصيص بالشرط

والنظر في حده وأقسامه وصيغ الشرط اللغوي وأحكامه

أما حده ، قال الغزالي : هو ما لا يوجد المشروط دونه ، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده ، وهو فاسد من وجهين : الأول : أن فيه تعريف الشرط بالمشروط ، والمشروط مشتق من الشرط فكان أخفى من الشرط ، وتعريف الشيء بما هو أخفى منه ممتنع .

الثاني : أنه يلزم عليه جزء السبب إذا اتحد ، فإنه لا يوجد الحكم دونه ولا يلزم من وجود الحكم عند وجوده ، وليس بشرط >[1] .

وقال بعض أصحابنا : الشرط هو الذي يتوقف عليه تأثير المؤثر في تأثيره لا في ذاته >[2] .

وهو فاسد أيضا ، فإن الحياة القديمة شرط في وجود علم الباري - تعالى - وكونه عالما ولا تأثير ولا مؤثر .

والحق في ذلك أن يقال : الشرط هو ما يلزم من نفيه نفي أمر ما على وجه لا يكون سببا لوجوده ولا داخلا في السبب .

ويدخل في هذا الحد شرط الحكم ، وهو ظاهر وشرط السبب من حيث إنه يلزم من نفي شرط السبب انتفاء السبب ، وليس هو سبب السبب ولا جزءه ، وفيه احتراز عن انتفاء الحكم لانتفاء مداركه ، وعن انتفاء المدرك المعين وجزئه .

وهو منقسم إلى شرط عقلي كالحياة للعلم والإرادة ، وإلى شرعي ، كالطهارة للصلاة ، والإحصان للرجم . وإلى لغوي ، وصيغه كثيرة وهي : إن الخفيفة وإذا ومن وما ومهما وحيثما وأينما وإذما .

[ ص: 310 ] وأم هذه الصيغ ( إن ) الشرطية ؛ لأنها حرف ، وما عداها من أدوات الشرط أسماء .

والأصل في إفادة المعاني للأسماء إنما هو الحروف >[3] ولأنها تستعمل في جميع صور الشرط بخلاف أخواتها ، فإن كل واحدة منها تختص بمعنى لا تجري في غيره ، ( فمن ) لمن يعقل ، و ( ما ) لما لا يعقل ، و ( إذا ) لما لا بد من وقوعه كقولك : إذا احمر البسر فأتنا ونحو ذلك .

وأما أحكامه : فمنها أنه يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه ، وذلك ضربان : الأول : أن يخرج منه ما علمنا خروجه بدليل آخر كقوله : أكرم بني تميم أبدا إن استطعت ، فإنه يخرج من الكلام حالة عدم الاستطاعة ، وإن كان ذلك معلوما دون قوله فيكون قوله مؤكدا .

الثاني : أنه يخرج منه ما لا يعلم خروجه دونه كقوله : أكرم بني تميم إن دخلوا الدار ، فإنه يخرج منه حالة عدم دخول الدار ، ولولا الشرط لعم الإكرام جميع الأحوال >[4] ، ولم يكن العلم بعدم الإكرام حالة عدم دخول الدار حاصلا لنا ، فكان مخصصا للعموم .

وعلى كل تقدير ، لا يخلو إما أن يتحد الشرط والمشروط ، أو يتعدد المشروط أو بالعكس ، أو يتعددان معا >[5] .

، فإن اتحد الشرط والمشروط فمثاله ما سبق .

وأما إن اتحد الشرط وتعدد المشروط فإما أن تكون المشروطات على الجمع أو على البدل ، فإن كانت على الجمع كقوله : إن دخل زيد الدار فأعطه دينارا ودرهما ، وإن كانت على البدل كقوله : إن دخل زيد الدار فأعطه دينارا أو درهما فالحكم كما لو اتحد المشروط .

[ ص: 311 ] وأما إن تعدد الشرط واتحد المشروط فإما أن تكون الشروط على الجمع أو البدل ، فإن كان الأول فكقوله : أكرم بني تميم أبدا إن دخلوا الدار والسوق ، فمقتضى ذلك توقف الإكرام على اجتماع الشرطين ، واختلاله باختلال أحدهما .

وإن كان على البدل كقوله : أكرم بني تميم إن دخلوا السوق أو الدار فمقتضى ذلك توقف الإكرام على تحقق أحد الشرطين ، واختلاله عند اختلالهما جميعا .

وأما إن تعدد الشرط والمشروط فإما أن يكون الشرط والمشروط على الجمع أو البدل ، أو الشرط على الجمع ، والمشروطات على البدل أو بالعكس .

فإن كان القسم الأول ، كقوله : إن دخل زيد الدار والسوق فأعطه درهما ودينارا ، فالإعطاء متوقف على اجتماع الشرطين ومختل باختلالهما أو باختلال أحدهما .

وإن كان القسم الثاني ، فكقوله : إن دخل زيد الدار أو السوق فأعطه درهما أو دينارا ، فإعطاء أحد الأمرين متوقف على تحقق أحد الشرطين ، واختلاله باختلال مجموع الأمرين .

وإن كان القسم الثالث كقوله : إن دخل زيد الدار والسوق فأعطه درهما أو دينارا فإعطاء أحد الأمرين متوقف على اجتماع الشرطين ، واختلاله باختلال أحدهما .

وإن كان الرابع كقوله : إن دخل زيد الدار أو السوق فأعطه درهما ودينارا ، فإعطاء الأمرين متوقف على أحد الشرطين ومختل باختلالهما معا ، وسواء كان حصول الشرط دفعة أو لا دفعة ، بل شيئا فشيئا .

ومن أحكامه : أنه لا بد من اتصاله بالمشروط لما تقدم في الاستثناء ، وإنه يجوز تقديمه على المشروط وتأخيره ، وإن كان الوضع الطبيعي له إنما هو صدر الكلام ، والتقدم على المشروط لفظا لكونه متقدما عليه في الوجود طبعا .

ولو تعقب الشرط للجمل المتعاقبة فقد اتفق الشافعي وأبو حنيفة على عوده ، خلافا لبعض النحاة في اعتقاده اختصاصه بالجملة التي تليه كانت متقدمة أو متأخرة .

والكلام في الطرفين فعلى ما سبق في الاستثناء .

والمختار كالمختار ، ولا يخفى وجهه .

التالي السابق


الخدمات العلمية