الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 19 ] المسألة الخامسة

اختلفوا في قوله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) فقال بعض الأصوليين إن لفظ القطع واليد مجمل .

أما الإجمال في القطع فلأنه يصدق إطلاقه على بينونة العضو من العضو ، وعلى شق الجلد الظاهر من العضو بالجرح من غير إبانة للعضو .

ولذلك يقال عندما إذا جرح يده في بعض الأعمال ، كبري القلم وغيره " قطع يده "

وأما الإجمال في اليد ، فلأن لفظ اليد يطلق على جملتها إلى المنكب ، وعليها إلى المرفق ، وعليها إلى الكوع ، وليس أحد هذه الاحتمالات أظهر من الآخر ، فكان لفظ اليد والقطع مجملا .

وذهب الباقون إلى خلافه متمسكين في ذلك بالإجمال والتفصيل :

أما الإجمال : فهو أن إطلاق لفظ اليد على ما ذكر من المحامل ، وكذلك إطلاق لفظ القطع :

إما أن يكون حقيقة في الكل أو هو حقيقة في البعض مجاز في البعض ، فإن كان حقيقة في الكل ، فإما أن يكون مشتركا ، أو متواطئا : القول بالاشتراك يلزم منه الإجمال في الكلام ، وهو على خلاف الأصل .

وإن كان الثاني والثالث ، فليس بمجمل .

كيف وإنه وإن كان الاشتراك الأصل ، إلا أن الاحتمالات ثلاثة كما ذكرناه ، ولا إجمال فيه على تقديرين منها . وهما حالة التواطؤ والتجوز في أحدهما ، وإنما يتحقق الإجمال على تقدير الاشتراك ، وهو متحد ، ووقوع احتمال من احتمالين أغلب من وقوع احتمال واحد بعينه .

وإذا كان حقيقة في أحدهما دون الآخر ، فيجب اعتقاد كونه ظاهرا في كل العضو ضرورة الاتفاق على عدم ظهوره فيما سواه ، أما عند الخصم ، فلدعواه الإجمال ، وأما عندنا فلمصيرنا إلى نفي الظهور عنه وانحصاره في جملة مسمى العضو .

[ ص: 20 ] وأما التفصيل : فهو أن لفظ اليد ، وإن أطلق على ما ذكروه من الاحتمالات إلا أنه حقيقة في جملة العضو إلى المنكب ، ومجاز فيما عداه .

ودليله أنه يصح أن يقال ، إذا أبينت اليد من المرفق أو من الكوع : هذا بعض اليد لا كلها .

وذلك يدل على أنه ليس حقيقة من وجهين :

الأول : أن مسمى اليد حقيقة لا يصدق عليه أنه بعض اليد .

والثاني : صحة القول بأنه ليس كل اليد ولو كان مسمى اليد حقيقة ، لما صح نفيه .

وأما لفظ القطع فحقيقة في إبانة الشيء عما كان متصلا به .

فإذا أضيف القطع إلى اليد ، وكان مسمى اليد حقيقة في جملتها إلى الكوع ، وجب حمله على إبانة مسمى اليد ، وهو جملتها ، وحيث أطلق قطع اليد عند إبانة بعض أجزائها عن بعض لا يكون حقيقة ، بل تجوزا .

فإن قيل : لو كان الأمر على ما ذكرتموه لما وجب الاقتصار في قطع يد السارق على قطعه من الكوع ، لما فيه من مخالفة الظاهر .

قلنا : وإن لزم منه مخالفة الظاهر إلا أنه أولى من القول بالإجمال في كلام الشارع ، فكان إدراج ما نحن فيه تحت الأغلب أغلب .

الثاني : أن القول بالإجمال مما يفضي إلى تعطيل اللفظ عن العمل في الحال ، إلى حين قيام الدليل المرجح ، ولا كذلك في الحمل على المجاز : فإنه إن لم يظهر دليل التجوز عمل باللفظ في حقيقته ، وإن ظهر عمل به في مجازه ، من غير تعطيل اللفظ في الحال ولا في ثاني الحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية