الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 25 ] الصنف الثامن في البيان والمبين

ويشتمل على مقدمة ومسائل ، أما المقدمة ، ففي تحقيق معنى البيان والمبين ، واختلاف الناس في العبارات الدالة عليهما ، وما هو المختار في ذلك .

أما البيان : فاعلم أنه لما كان متعلقا بالتعريف والإعلام بما ليس بمعروف ولا معلوم ، وكان ذلك مما يتوقف على الدليل ، والدليل مرشد إلى المطلوب ، وهو العلم أو الظن الحاصل عن الدليل ، ولم يخرج البيان عن التعريف والدليل والمطلوب الحاصل من الدليل لعدم معنى رابع يفسر به البيان ، فلا جرم اختلف الناس .

فقال أبو بكر الصيرفي - من أصحاب الشافعي - وغيره : إن البيان هو التعريف ، وعبر عنه بأنه إخراج الشيء عن حيز الإشكال إلى حيز الوضوح والتجلي .

وذهب أبو عبد الله البصري وغيره ، إلى أن البيان هو العلم من الدليل .

وذهب القاضي أبو بكر والغزالي وأكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة : كالجبائي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وغيرهم ، إلى أن البيان هو الدليل ، وهو المختار .

ويدل على صحة تفسيره بذلك أن من ذكر دليلا لغيره وأوضحه غاية الإيضاح يصح لغة وعرفا أن يقال : تم بيانه ، وهو بيان حسن إشارة إلى الدليل المذكور .

وإن لم يحصل منه المعرفة بالمطلوب للسامع ، ولا حصل به تعريفه ، ولا إخراج المطلوب من حيز الإشكال إلى حيز الوضوح والتجلي ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، والذي يخص كل واحد من التعريفين الآخرين .

أما الأول : فلأنه غير جامع ؛ لأن ما يدل على الحكم بديا من غير سابقة إجمال بيان ، وهو غير داخل في الحد ، وشرط الحد أن يكون جامعا مانعا ، كيف وفيه تجوز وزيادة ؟

أما التجوز ففي لفظ الحيز ، فإنه حقيقة في الجوهر دون غيره .

وأما الزيادة فما فيه من الجمع بين الوضوح والتجلي ، وأحدهما كاف عن الآخر ، والحد مما يجب صيانته عن التجوز والزيادة .

[ ص: 26 ] وأما التعريف الثاني فلأن حصول العلم عن الدليل يسمى تبينا ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، فلو كان هو البيان أيضا حقيقة لزم منه الترادف .

والأصل عند تعدد الأسماء تعدد المسميات ، تكثيرا للفائدة ، ولأن الحاصل عن الدليل قد يكون علما ، وقد يكون ظنا .

وعند ذلك فتخصيص اسم البيان بالعلم دون الظن لا معنى له ، مع أن اسم البيان يعم الحالتين ، وإذا كان النزاع إنما هو في إطلاق أمر لفظي ، فأولى ما اتبع ما كان موافقا للإطلاق اللغوي ، وأبعد عن الاضطراب ومخالفة الأصول .

وإذا عرف أن البيان هو الدليل المذكور فحد البيان ما هو حد الدليل ، على ما سبق في تحريره .

>[1] ويعم ذلك كل ما يقال له دليل ، كان مفيدا للقطع أو الظن ، وسواء كان عقليا أو حسيا ، أو شرعيا أو عرفيا ، أو قولا أو سكوتا ، أو فعلا أو ترك فعل ، إلى غير ذلك .

وأما المبين فقد يطلق ، ويراد به ما كان من الخطاب المبتدأ المستغني بنفسه عن بيان ، وقد يراد به ما كان محتاجا إلى البيان ، وقد ورد عليه بيانه ، وذلك كاللفظ المجمل إذا بين المراد منه ، والعام بعد التخصيص ، والمطلق بعد التقييد ، والفعل إذا اقترن به ما يدل على الوجه الذي قصد منه ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية