الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
وأما المسائل فثمان : [ ص: 27 ] المسألة الأولى

مذهب الأكثرين أن الفعل يكون بيانا ، خلافا لطائفة شاذة .

ويدل على ذلك النقل والعقل ، أما النقل : فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عرف الصلاة والحج بفعله حيث قال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، " وخذوا عني مناسككم " .

وأما العقل : فهو أن الإجماع منعقد على كون القول بيانا ، والإتيان بأفعال الصلاة والحج ؛ لكونها مشاهدة أدل على معرفة تفصيلها من الإخبار عنها بالقول ، فإنه ( ليس الخبر كالمعاينة ) >[1] ولهذا كانت مشاهدة زيد في الدار أدل على معرفة كونه فيها من الإخبار عنه بذلك .

وإذا كان القول بيانا ، مع قصوره في الدلالة عن الفعل المشاهد ، فكون الفعل بيانا أولى .

فإن قيل : أما النقل فالبيان فيه إنما وقع بالقول لا بالفعل ، وهو قوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي ، وخذوا عني مناسككم " ، وأما المعقول : فهو أن الفعل وإن كان مشاهدا غير أن زمان البيان به مما يطول ، ويلزم من ذلك تأخير البيان مع إمكانه بما هو أفضى إليه ، وهو القول ، وذلك ممتنع .

قلنا : أما القول بأن البيان إنما حصل بالقول ليس كذلك ، فإنه لم يتضمن تعريف شيء من أفعال الصلاة والحج ، بل غايته تعريف أن الفعل هو البيان لذلك .

وأما القول بأن البيان بالفعل مما يفضي إلى تأخير البيان مع إمكان تقدمه فهو غير مسلم ، بل التعريف بالقول . وذكر كل فعل بصفته وهيئته ، وما يتعلق به أبعد عن التشبث بالذهن من الفعل المشاهد ، وربما احتيج في ذلك إلى تكرير في أزمنة تزيد على زمان وقوع ( الفعل ) بأزمنة كثيرة ، على ما يشهد به العرف والعادة .

وإن سلمنا أن زمان التعريف بالفعل يكون أطول ، فليس في ذلك ما يدل على كونه غير صالح للبيان والتعريف ، والخلاف إنما هو في ذلك ، وقد بينا أنه مع صلاحيته للتعريف أدل من القول .

[ ص: 28 ] قولهم : إنه يفضي إلى تأخير البيان ، مع إمكان تقديمه بالقول .

قلنا : لا يخلو إما أن لا تكون الحاجة قد دعت إلى البيان في الحال ، أو دعت إليه : فإن كان الأول ، فلا محذور في التأخير مع حصول البيان بما هو أدل من القول ، وإن كان الثاني ، فلا نسلم امتناع التأخير على قولنا بجواز التكليف بما لا يطاق على ما قررناه .

وبتقدير امتناعه فإنما نسلم ذلك فيما إذا كان التأخير لا لفائدة ، وأما إذا كان لفائدة فلا .

وقد بينا الفائدة في البيان بالفعل من جهة كونه أدل على المقصود .

التالي السابق


الخدمات العلمية