الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
المسألة الرابعة

في جواز تأخير البيان : إما عن وقت الحاجة ، فقد اتفق الكل على امتناعه سوى القائلين بجواز التكليف بما لا يطاق ، ومدار الكلام من الجانبين فقد عرف فيما تقدم .

وأما تأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة ففيه مذاهب .

فذهب أكثر أصحابنا وجماعة من أصحاب أبي حنيفة إلى جوازه ، وذهب بعض أصحابنا : كأبي إسحاق المروزي ، وأبي بكر الصيرفي ، وبعض أصحاب أبي حنيفة والظاهرية إلى امتناعه ، وذهب الكرخي وجماعة من الفقهاء إلى جواز تأخير بيان المجمل دون غيره ، وذهب بعضهم إلى جواز تأخير بيان الأمر دون الخبر >[1] وذهب الجبائي وابنه والقاضي عبد الجبار إلى جواز تأخير بيان النسخ دون غيره ، وذهب أبو الحسين البصري إلى جواز تأخير بيان ما ليس له ظاهر كالمجمل ، وإما له ظاهر وقد استعمل في غير ظاهره ، كالعام والمطلق والمنسوخ ونحوه ، فقال يجوز تأخير بيانه التفصيلي لا يجوز تأخير بيانه الإجمالي ، وهو أن يقول وقت الخطاب : هذا العموم مخصوص ، وهذا المطلق مقيد ، وهذا الحكم سينسخ .

[ ص: 33 ] >[2] وإذا عرف تفصيل المذاهب فقد احتج أصحابنا القائلون بجواز التأخير مطلقا بحجج نقلية ، وعقلية .

أما النقلية ، فالحجة الأولى منها قوله تعالى ( إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه ) ووجه الاحتجاج به أنه قال ( فإذا قرأناه ) معناه أنزلناه ، ويدل على ذلك قوله تعالى ( فاتبع قرآنه ) أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع بفاء التعقيب ، لقوله ( فإذا قرأناه ) ولا يتصور ذلك قبل الإنزال لعدم معرفته به ، وإنما يكون بعد الإنزال .

وإذا كان المراد بقوله ( قرأناه ) الإنزال ، فقوله ( ثم إن علينا بيانه ) يدل على تأخير البيان عن وقت الإنزال ، لأن ( ثم ) للمهلة والتراخي على ما سبق تقريره .

>[3] ولقائل أن يقول : وإن كان المراد من قوله تعالى : ( فإذا قرأناه ) الإنزال ، ولكن لا نسلم أن المراد من قوله ( ثم إن علينا بيانه ) بيان مجمله وخصوصه وتقييده ومنسوخه ، بل المراد منه إظهاره وإشهاره ، وهو على وفق الظاهر ؛ لأن البيان هو الإظهار في اللغة ، ومنه يقال " بان لنا الكوكب الفلاني ، وبان لنا سور المدينة " إذا ظهر ، ويقال " بين فلان الأمر الفلاني " إذا أظهره وعند ذلك ، فليس حمله على ما ذكر من بيان المراد من المجمل والعام والمطلق أولى مما ذكرناه .

>[4] كيف وإن الترجيح لهذا المعنى من جهة أن المراد من قوله تعالى ( إن علينا جمعه وقرآنه ) إنما هو جميع القرآن فإنه ليس اختصاص بعضه بذلك أولى من بعض . [ ص: 34 ] وأيضا فإنه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع بقوله ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) والأمر بذلك غير خاص ببعض القرآن دون البعض إجماعا ، ولأنه لا أولوية للبعض دون البعض ؛ ولأنه لو حمل ذلك على البعض دون البعض مع كونه غير معين في اللفظ ، كان مجملا وتكليفا له بما ليس بمعلوم له ، وهو خلاف الأصل .

وإذا ثبت أن المراد من قوله من أول الآية إنما هو جميع القرآن فالظاهر أن يكون الضمير في قوله تعالى ( ثم إن علينا بيانه ) عائدا إلى جميع المذكور السابق ، وهو جملة القرآن لا إلى بعضه ، لعدم الأولوية .

وإنما يمكن ذلك بحمل البيان على ما ذكرناه لا على ما ذكروه لاستحالة افتقار كل القرآن إلى البيان بالمعنى الذي ذكروه ، فإنه ليس كل القرآن مجملا ولا ظاهرا في معنى ، وقد استعمل في غيره ، فكان ما ذكرناه أولى .

وهذا إشكال مشكل ، وفي تحريره وتقريره على هذا الوجه يتبين للناظر المتبحر فيه إبطال كل ما يخبط به بعض المخبطين .

>[5] وإن سلمنا أن المراد به إنما هو بيان المراد من الظاهر الذي استعمل في غير ما هو الظاهر منه ، لكن ما المانع أن يكون المراد به البيان التفصيلي ، كما قاله أبو الحسين البصري ؟ [ ص: 35 ] فإن قيل : لا يمكن ذلك لأن لفظ البيان مطلق >[6] فحمله على البيان التفصيلي يكون تقييدا له ، وتقييد المطلق من غير دليل ممتنع .

قلنا : وإذا كان مطلقا ، فالمطلق لا يمكن حمله على جميع صوره ، وإلا كان عاما لا مطلقا ، بل غايته أنه إذا عمل به في صورة ، فقد وفى بالعمل بدلالته .

وعند ذلك ، فلا يخفى أن تنزيل البيان في الآية على الإجمالي دون التفصيلي يكون تقييدا للمطلق ، وهو ممتنع من غير دليل .

وإن لم يقل بتنزيله عليه ، فلا حجة فيه .

وإن سلمنا أن المراد به البيان الإجمالي والتفصيلي ، غير أنه قد تعذر العمل بظاهر ( ثم ) من حيث إنها تدل على وجوب تأخير بيان كل القرآن ضرورة عود الضمير إلى الكل >[7] على ما سبق .

وذلك خلاف الإجماع .

وإذا تعذر العمل بظاهرها وجب العمل بها في مجازها وهو حملها على معنى ( الواو ) كما في قوله تعالى : ( فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ) فإن ( ثم ) هاهنا بمعنى ( الواو ) ولاستحالة كون الرب شاهدا ، بعد أن لم يكن شاهدا .

الحجة الثانية : قوله تعالى ( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت ) و ( ثم ) للتأخير .

ولقائل أن يقول : لا نسلم أن المراد من التفصيل بيان المراد من المجمل والظاهر والمستعمل في غير ما هو ظاهر فيه ، بل المراد من قوله " أحكمت " أي في اللوح المحفوظ وفصلت في الإنزال .

الحجة الثالثة : قوله تعالى ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) وأراد به : بيانه للناس .

[ ص: 36 ] ولقائل أن يقول : ظاهر ذلك للمنع من تعجيل نفس القرآن ، لا بيان ما هو المراد منه ، لما فيه من الإضمار المخالف للأصل ، وإنما منعه من تعجيل القرآن أي من تعجيل أدائه عقيب سماعه ، حتى لا يختلط عليه السماع بالأداء ، وإلا فلو أراد به البيان لما منعه عنه بالنهي للاتفاق على أن تعجيل البيان بعد الأداء غير منهي عنه .

الحجة الرابعة : أنه تعالى أمر بني إسرائيل بذبح بقرة معينة غير منكرة بقوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ولم يعينها إلا بعد سؤالهم .

ودليل كون المأمور به معينا أمران : الأول : أنهم سألوا تعيينها بقولهم له : " ادع لنا ربك يبين لنا ما هي و ( ما لونها ) ولو كانت منكرة لما احتيج إلى ذلك للخروج عن العهدة بأي بقرة كانت .

الثاني : أن قوله تعالى ( إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر ) و ( إنها بقرة صفراء ) و ( إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) والضمير في هذه جميع الكنايات >[8] يجب صرفه إلى ما أمروا به أولا .

وبيانه من وجهين : الأول : أنه لو لم يكن كذلك لكان تكليفا بأمور مجددة غير ما أمروا به أولا ، ولو كان كذلك لكان الواجب من تلك الصفات المذكورة آخرا دون ما ذكر أولا ، وهو خلاف الإجماع على أن المأمور به كان متصفا بجميع الصفات المذكورة .

الثاني : أنه لو لم يكن كذلك للزم منه أن لا يكون الجواب مطابقا للسؤال ، وهو خلاف الأصل .

ولقائل أن يقول : لا نسلم أن البقرة المأمور بها كانت معينة في نفس الأمر بل منكرة مطلقا ، فلا تكون محتاجة إلى البيان لإمكان الخروج عن العهدة بذبح أي بقرة اتفقت ، ولا يكون ذلك من صور النزاع .

قولهم إنهم سألوا عن تعيينها ، ولو أمروا بمنكر لما سألوا عن تعيينه .

[ ص: 37 ] قلنا ظاهر الأمر يدل على التنكير حيث قال ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) .

والقول بالتعيين مخالف للتنكير المفهوم من اللفظ ، وليس الحمل على التعيين ضرورة تصحيح سؤالهم ومخالفة ظاهر النص أولى من العكس ، بل موافقة ظاهر النص أولى .

قولكم في الوجه الثاني : إن الضمير في جميع الكنايات عائد إلى المأمور به أولا ، لا نسلم ذلك .

قولهم : لو لم يكن كذلك لكان ذلك تكليفا بأمور مجددة مسلم ، وما المانع منه ؟ قولكم : لو كان كذلك ، لكان الواجب من المذكورة آخرا دون ما ذكر أولا ، لا نسلم ذلك .

وما المانع أن يكون قد أوجب عليهم بعد السؤال الأول ذبح بقرة متصفة بالصفات المذكورة أولا ، ثم أوجب بعد ذلك المذكورة ثانيا ، ولا منافاة بين الحالتين .

قولكم : لو كان كذلك ، لما كان الجواب مطابقا للسؤال ، وهو خلاف الأصل فهو معارض بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، أنه قال لو ذبحوا أية بقرة أرادوا لأجزأتهم ، لكنهم شددوا على أنفسهم ، فشدد الله عليهم .

>[9] وهذا يدل على أن ذلك كان ابتداء إيجاب لا بيانا ، لأن البيان ليس بتشديد بل تعيين ما هو الواجب .

ولا يخفى أن موافقة ظاهر النص الدال على تنكير البقرة وظاهر قول ابن عباس أولى من موافقة ما ذكروه من لزوم مطابقة الجواب للسؤال ، لما فيه من موافقة الأصلين ، ومخالفة أصل واحد ، وما ذكروه بالعكس .

ثم وإن سلمنا أن المأمور به كان بقرة معينة في نفس الأمر ، غير أنهم سألوا البيان الإجمالي أو التفصيلي ؟

الأول : ممنوع والثاني مسلم ، ولا يلزم من جواز تأخير البيان التفصيلي ، تأخير البيان الإجمالي ، كما هو مذهب أبي الحسين البصري .

وليس تقييد سؤالهم بطلب البيان مع إطلاقه بالإجمالي أولى من التفصيلي ، ولا محيص عنه .

وربما أورد على هذا الاحتجاج ما لا اتجاه له ، كقولهم : ما المانع أن يكون البيان مقارنا للمبين ؟ غير أنهم لم يتبينوا أن الأمر بالذبح كان ناجزا ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .

[ ص: 38 ] أما أولا : فلأنه لو كان البيان حاصلا ، لفهموه ظاهرا ، ولما سألوا عنه ، وأما ثانيا : فلأن الأمر بالذبح كان مطلقا ، والأمر المطلق على التراخي عند صاحب هذه الحجة على ما سبق تقريره .

ولو كان على الفور فتأخير بيانه عنه أيضا غير ممتنع على أصله ، لكونه قائلا بجواز التكليف بما لا يطاق ، كما سبق تحقيقه .

الحجة الخامسة : أنه لما نزل قوله تعالى ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) قال عبد الله بن الزبعرى " فقد عبدت الملائكة والمسيح أفتراهم يعذبون " والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليه ، بل سكت إلى حين ما نزل عليه ذلك بعد حين ، وهو قوله ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) وذلك يدل على جواز التأخير .

ولقائل أن يقول : لا نسلم أن الآية لم تكن بينة حتى أنها تحتاج إلى بيان ، فإن الملائكة والمسيح إنما يمكن القول بدخولهم في عموم الآية إذ لو كانت ( ما ) تتناول من يعلم ويعقل وهو غير مسلم ، وإذا لم تكن متناولة لهم ، فلا حاجة إلى إخراج ما لا دخول له في الآية عنها .

فإن قيل : دليل تناول ( ما ) لمن يعلم ويعقل النص والإطلاق والمعنى .

أما النص : فقوله تعالى ( وما خلق الذكر والأنثى ) وقوله تعالى : ( والسماء وما بناها ) وقوله تعالى : ( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) .

وأما الإطلاق فمن وجهين : الأول : أن ( ما ) قد تطلق بمعنى ( الذي ) باتفاق أهل اللغة ، و ( الذي ) يصح إطلاقها على من يعقل بدليل قولهم : الذي جاء زيد ، فما كذلك .

الثاني : أنه يصح أن يقال - ما في داري من العبيد أحرار .

وأما المعنى فمن وجهين : الأول : هو أن ابن الزبعرى كان من فصحاء العرب ، وقد فهم تناول ( ما ) لمن يعقل ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليه ذلك .

[ ص: 39 ] الثاني : أن ( ما ) لو كانت مختصة بمن لا يعلم ، لما احتيج إلى قوله ( من دون الله ) وحيث كانت بعمومها متناولة لله تعالى احتاج إلى التقييد بقوله : " من دون الله " .

قلنا : أما ما ذكروه من النصوص والإطلاقات فغايتها جواز إطلاق ( ما ) على من يعقل ويعلم ، ولا يلزم من ذلك أن تكون ظاهرة فيه ، بل هي ظاهرة فيمن لا يعقل .

ودليل ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن الزبعرى لما ذكر ما ذكر >[10] رادا عليه بقوله : " ما أجهلك بلغة قومك أما علمت أن ( ما ) لما لا يعقل و ( من ) لمن يعقل .

ولا يخفى أن الجمع بين الأمرين والتوفيق بين الأدلة أولى من تعطيل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - والعمل بما ذكروه .

وإذا كانت ( ما ) ظاهرة في من لا يعقل دون من يعقل ، وجب تنزيلها على ما هي ظاهرة فيه .

وما ذكروه من الوجه الأول في المعنى فهو باطل بما ذكرناه من إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يخفى أن اتباع قول النبي أولى من اتباع ما ظنه ابن الزبعرى .

وما ذكروه في الوجه الثاني من عدم الاحتياج إلى قوله ( من دون الله ) إنما يصح أن لو لم يكن فيه فائدة ، وفائدته التأكيد ، وحمل الكلام على فائدة التأسيس ، وإن كان هو الأصل ، غير أنه يلزم من حمله على فائدة التأسيس مخالفة ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - والجمع أولى من التعطيل .

وإن سلمنا أن ( ما ) حقيقة فيمن يعقل ، غير أنا لا نسلم أن بيان التخصيص لم يكن مقارنا للآية .

وبيان المقارنة أن دليل العقل صالح للتخصيص على ما سبق .

والعقل قد دل على امتناع تعذيب أحد بجرم صادر من غيره ، اللهم إلا أن يكون راضيا بجرم ذلك الغير ، واحد من العقلاء لم يخطر بباله رضا الملائكة والمسيح بعبادة من عبدهم و ( ما ) مثل هذا الدليل العقلي ، فلا نسلم عدم مقارنته للآية .

وأما نزول قوله تعالى ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) الآية ، فإنما ورد تأكيدا بضم الدليل الشرعي إلى الدليل العقلي ، مع الاستغناء عن أصله ، أما أن يكون هو المستقل بالبيان فلا .

الحجة السادسة : قول الملائكة لإبراهيم ( إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ) ولم يبينوا إخراج لوط ومن معه من المؤمنين عن الهلاك بقولهم ( نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ) إلا بعد سؤال إبراهيم وقوله ( إن فيها لوطا ) .

[ ص: 40 ] ولقائل أن يقول : لا نسلم تأخر البيان عن هذه الآية ، بل هو مقترن بها .

ودليله قول الملائكة في تعليل الهلاك : " إن أهلها كانوا ظالمين " وذلك لا يدخل فيها إلا من كان ظالما .

كيف وإنه لم يتخلل بين قول الملائكة غير سؤال إبراهيم وهو قوله ( إن فيها لوطا ) وما مثل هذا لا يعد تأخيرا للبيان ، فإن مثل ذلك قد يجري إما بسبب انقطاع نفسه أو سعال فيما بين البيان والمبين ، ولا يعد ذلك من المبين تأخيرا .

ومبادرة إبراهيم إلى السؤال ومنعهم >[11] من اقتران البيان بالمبين نازل منزلة انقطاع النفس والسعال ، حتى إنه لو لم يبادر بالسؤال لبادروا بالبيان .

الحجة السابعة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ معاذا إلى اليمن ليعلمهم الزكاة وغيرها ، فسألوه عن الوقص ، فقال : " ما سمعت فيه شيئا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى أرجع إليه فأسأله " >[12] وذلك دليل على أن بيانه لم يتقدم .

ولقائل أن يقول كون معاذ لم يسمع البيان ولم يعرفه لا يدل على عدم مقارنة البيان للمبين .

كيف ويمكن أن يقال الأصل عدم وجوب الزكاة في الأوقاص وغيرها ، غير أن الشارع أوجب فيما أوجب ، وبقي الباقي على حكم العقل ، وذلك صالح للبيان والتخصيص ، هذا ما يتعلق بالمنقول ، وأما الحجج العقلية :

فأولها : أنه لو كان تأخير البيان ممتنعا ، فإما أن يكون امتناعه لذاته أو لغيره ، وذلك إما أن يعرف بضرورة العقل أو نظره ، وكل واحد من الأمرين منتف ، فلا امتناع .

ولقائل أن يقول : ولو كان جائزا ، فإما أن يعرف بضرورة العقل أو نظره ، وكل واحد من الأمرين منتف فلا جواز ، وليس أحد الأمرين أولى من الآخر وكل ما هو جواب له هاهنا فهو جوابه فيما ذكر .

الحجة الثانية : أنه لو امتنع تأخير البيان لامتنع تأخيره في الزمن القصير وامتنع عطف الجمل المتعددة إذا كان بيان الأولى متأخرا عن الجمل المعطوف عليها ، ولما جاز البيان بالكلام الطويل ، واللازم ممتنع .

[ ص: 41 ] ولقائل أن يقول : إنما يجوز تأخير البيان في الزمان القصير إذا كان مع قصره لا يعد المتكلم معرضا عن كلامه الأول ، فإن كلامه الثاني مع الأول معدود كالجملة الواحدة ، وذلك لا يعد تأخيرا للبيان .

وهذا بخلاف ما إذا تطاول الزمان تطاولا يعد به المتكلم بالكلام الأول معرضا عن كلامه ، ولهذا فإنه يجوز لغة وعرفا أن يتكلم الإنسان بكلام يقصر فهم السامع عنه ، ويبينه بعد الزمان القصير من غير استهجان بخلاف ما إذا بينه بعد الزمان المتطاول ، فلا يلزم من التأخير ثم التأخير هاهنا .

وأما الجمل المعطوفة فنازلة منزلة الجملة الواحدة ، فالبيان المتعقب للجمل المعطوفة ينزله منزلة تعقبه للجملة الواحدة .

وأما البيان بالكلام الطويل فإنما يجوزه الخصم إذا لم يكن >[13] حصول البيان إلا به ، أو كانت المصلحة فيه أتم من الكلام القصير وإلا فلا .

الحجة الثالثة : أنه لو قبح تأخير البيان ، لكان ذلك لعدم تبين المكلف ، وذلك مقتضى قبح الخطاب إذا بين له ، ولم يتبين ، فإنه لا فرق في ذلك بين ما امتنع بأمر يرجع إلى نفسه أو إلى غيره .

ولهذا يسقط تكليف الإنسان إذا مات ، سواء قتل هو نفسه ، أو قتله غيره واللازم ممتنع .

ولقائل أن يقول : نسلم أن قبح تأخير البيان لما فيه من فقد التبين المنسوب إلى المخاطب ، ولا يلزم من ذلك قبحه عند عدم تبين المكلف إذا بين له ؛ لكونه منسوبا إلى تقصير المكلف ، لا إلى المخاطب ، وسقوط التكليف عن الميت إنما كان لعدم تمكنه المشروط في التكليف ، وذلك لا يفترق بأن يكون قد فات بفعله أو بفعل غيره .

والمختار في ذلك : أما من جهة النقل فقوله تعالى ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) إلى قوله ( ولذي القربى ) ثم بين بعد ذلك أن السلب للقاتل ، وأن المراد بذوي القربى بنو هاشم وبنو المطلب دون بني أمية وبني نوفل بمنعه لهم من ذلك حتى أنه لما سئل عن ذلك قال : إنا وبنو هاشم والمطلب لم نفترق في [ ص: 42 ] جاهلية ولا إسلام ، ولم نزل هكذا ، وشبك بين أصابعه .

>[14] فإن قيل : المتأخر إنما هو البيان المفصل ، ونحن لا نمنع من ذلك ، وإنما نمنع من تأخير البيان المجمل >[15] ، ولا دلالة لما ذكرتموه على تأخيره .

قلنا : إذا سلم عدم اقتران البيان التفصيلي بهذه الآية ، فهو حجة على من نازع فيه ، وهي حجة على من نازع في تأخير البيان الإجمالي ، حيث إنها ظاهرة في العموم لكل ذوي القربى ولم ينقل أحد من أهل النقل وأرباب الأخبار ما يشير إلى البيان الإجمالي أيضا ، مع أن الأصل عدمه ، ولو كان لما أهمل نقله غالبا .

وأيضا ، ما روي أن جبريل - عليه السلام - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " اقرأ ، قال : وما أقرأ ؟ كرر عليه ذلك ثلاث مرات " ثم قال له ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) >[16] أخر بيان ما أمره به أولا من إجماله إلى ما بعد ثلاث مرات من أمر جبريل ، وسؤال النبي ، مع إمكان بيانه أولا .

وذلك دليل جواز التأخير .

فإن قيل : أمره له بالقراءة مطلق ، وذلك إما أن يكون مقتضاه الوجوب على الفور ، أو التراخي ، فإن كان الأول ، فقد أخر البيان عن وقت الحاجة ، وإن كان الثاني ، فلا شك في إفادته جواز الفعل في الزمن الثاني من وقت الأمر ، وتأخير البيان عنه تأخير له عن وقت الحاجة ، وذلك ممتنع بالإجماع .

فترك الظاهر لازم لنا ولكم ، والخلاف إنما وقع في تأخير البيان إلى وقت الحاجة ، وليس فيما ذكرتموه دلالة عليه .

قلنا : أما إن الأمر ليس مقتضاه الوجوب على الفور فقد تقدم ، وإذا كان على التراخي ، فلا نسلم لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة .

قولكم إنه يفيد جواز الفعل في الزمان الثاني من وقت الأمر .

[ ص: 43 ] قلنا متى ، إذا كان الفعل المأمور به مبينا ، أو إذا لم يكن مبينا ؟ الأول مسلم ، والثاني ممنوع .

وإن سلمنا ذلك ، لكن لا نسلم أن الحاجة داعية إلى معرفته مع قطع النظر عن وجوبه وعدم المؤاخذة بتركه ، بدليل ما قبل الأمر .

وأيضا فإنه لما نزل قوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) مع أنه لم يرد بها مطلق الدعاء إجماعا لم يقترن بها البيان ، بل أخر بيان أفعال الصلاة وأوقاتها إلى أن بين ذلك جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لغيره بعد بيان جبريل له .

وكذلك نزل قوله تعالى ( وآتوا الزكاة ) مطلقا ، ثم بين النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك مقدار الواجب وصفته في النقود والمواشي وغيرها من أموال الزكاة شيئا فشيئا .

وكذلك نزل قوله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ثم بين بعد ذلك ما يجب القطع بسرقته في مقداره وصفته على التدريج .

وكذلك نزل قوله تعالى ( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ) ثم نزل تخصيصه بقوله تعالى ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ) إلى غير ذلك من الأوامر العامة التي لم تبين تفاصيلها إلا بعد مدد .

فإن قيل : المؤخر في جميع هذه الأوامر إنما هو البيان التفصيلي ، وليس فيها ما يدل على تأخير البيان الإجمالي .

كيف وإن الأمر إما أن يكون على الفور ، أو التراخي ، وتمام الإشكال ما سبق .

قلنا : وجواب الإشكالين أيضا ما سبق .

وأيضا ، فإن العمومات الواردة في البيع والنكاح والإرث وردت مطلقة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين بعد ذلك على التدريج ما يصح بيعه وما لا يصح ، ومن يحل نكاحها ومن لا يحل ، وصفات العقود وشروطها ، ومن يرث ومن لا يرث ، ومقادير المواريث شيئا فشيئا .

ومن نظر في جميع عمومات القرآن والسنة وجدها كذلك .

وأيضا ، فإنه لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة ، وشكى الأنصار إليه بعد ذلك رخص لهم في العرايا ، وهي نوع من المزابنة ، مع أنه لم ينقل أنه اقترن بنهيه عن ذلك بيان مجمل ولا مفصل ، وهو لا يخلو إما أن يكون ذلك نسخا أو تخصيصا وعلى كلا التقديرين فهو حجة على المخالف فيه .

[ ص: 44 ] وأما من جهة المعقول : فهو أنه لو امتنع تأخير البيان لم يخل ، إما أن يكون ذلك ممتنعا لذاته أو لأمر من خارج .

لا جائز أن يكون لذاته ، فإنا لو فرضناه واقعا لا يلزم عنه المحال لذاته ، وإن كان لأمر خارج ، فلا يخفى أنه لا فارق بين حالة وجود البيان وعدمه سوى علم المكلف بالمراد من الكلام ، حالة وجود البيان ، وجهله به حالة عدمه .

فلو امتنع تأخير البيان ، لكان لما قارنه من جهل المكلف بالمراد ولو كان كذلك لامتنع تأخير بيان النسخ ، لما فيه من الجهل بمراد الكلام الدال بوضعه على تكرر الفعل على الدوام ، واللازم ممتنع فالملزوم ممتنع .

وهذه الطريقة لازمة على كل من منع من تأخير بيان المجمل والعام والمقيد وكل ما أريد به غير ما هو ظاهر فيه .

وجوزه في النسخ ، كالجبائي وأبي هاشم والقاضي عبد الجبار وغيرهم .

اعترض القاضي عبد الجبار ، وقال الفرق بين تأخير بيان النسخ وتأخير بيان المجمل هو أن تأخير بيان النسخ مما لا يخل بالتمكن من الفعل في وقته ، بخلاف بيان صفة العبادة ، فإنه لا يتأتى معه فعل العبادة في وقتها للجهل بصفتها .

والفرق بين تأخير تخصيص بيان العموم وتأخير بيان النسخ من وجهين .

الأول : أن الخطاب المطلق الذي أريد نسخه معلوم أن حكمه مرتفع لعلمه بانقطاع التكليف ، ولا كذلك المخصوص .

الثاني : أن تأخير بيان تخصيص العموم ، مع تجويز إخراج بعض الأشخاص منه من غير تعيين مما يوجب الشك في كل واحد من أشخاص المكلفين ، هل هو مراد بالخطاب أم لا ، ولا كذلك في تأخير بيان النسخ .

وجواب الفرق بين الإجمال والنسخ أن وقت العبادة إنما هو وقت دعو الحاجة إليها ، لا قبل ذلك ، ووقت الحاجة إليها فالبيان لا يكون متأخرا عنه ، فلا يلزم من تأخير بيان صفة العبادة عنها في غير وقتها ووجوده في وقتها تعذر الإتيان بالعبادة في وقتها .

وجواب الفرق الأول بين العموم والنسخ هو أن حكم الخطاب المطلق ، وإن علم ارتفاعه بانقطاع التكليف ، فذلك مما يعم التخصيص والنسخ ، لعلمنا بانقطاع [ ص: 45 ] التكليف بالموت في الحالتين .

وإنما الخلاف فيما قبل حالة الموت مع وجود الدليل الظاهر المتناول لكل الأشخاص واللفظ الظاهر المتناول لجميع أوقات الحياة .

وعند ذلك ، إذا جاز رفع حكم الخطاب الظاهر المتناول لجميع الأوقات ، مع فرض الحياة والتمكن منه غير دليل مبين في الحال جاز تخصيص بعض من تناوله اللفظ بظهوره مع التمكن من غير دليل مبين في الحال أيضا ؛ لتعذر الفرق بين الحالتين .

وجواب الفرق الثاني أن تأخير بيان التخصيص ، وإن أوجب التردد في كل واحد من أشخاص المكلفين أنه داخل تحت الخطاب أم لا ، فتأخير بيان النسخ عندما إذا أمر بعبادة متكررة في كل يوم مما يوجب التردد في أن العبادة في كل يوم عدا اليوم الأول . هل هي داخلة تحت الخطاب العام لجميع الأيام أم لا .

وإذا جاز ذلك في أحد الطرفين ، جاز في الطرف الآخر ضرورة تعذر الفرق ، وكذلك أيضا فإنه إذا أمر بعبادة في وقت مستقبل أمرا عاما فإن ما من شخص إلا ويحتمل اخترامه قبل دخول ذلك الوقت ، ويخرج بذلك عن دخوله تحت الخطاب العام .

وذلك مما يوجب التردد في كل واحد واحد من الأشخاص هل هو داخل تحت ذلك الخطاب إذا لم يرد البيان به ، ومع ذلك فإنه غير ممتنع إجماعا .

شبه المخالفين منها ما يختص بتأخير بيان المجمل ، ومنها ما يختص بتأخير بيان ما له ظاهر أريد به غير ما هو ظاهر فيه .

أما الشبه الخاصة بالمجمل فشبهتان : الأولى : أنه لا فرق بين الخطاب باللفظ المجمل الذي لا يعرف له مدلول من غير بيان ، وبين الخطاب بلغة يضعها المخاطب مع نفسه من غير بيان .

وعند ذلك ، فإما أن يقال بحسن المخاطبة بهما ، أو بأحدهما دون الآخر أو لا بواحد منهما : الأول : يلزم منه حسن المخاطبة بما وضعه مع نفسه من غير بيان ، وهو في غاية الجهالة ، والثاني أيضا ممتنع لعدم الأولوية ، والثالث : هو المطلوب .

الشبهة الثانية : أن المقصود من الخطاب إنما هو التفاهم ، والمجمل الذي لا يعرف مدلوله من غير بيان له في الحال لا يحصل منه التفاهم ، فلا يكون مفيدا ، وما لا فائدة فيه لا تحسن المخاطبة به ؛ لكونه لغوا ، وهو قبيح من الشارع كما لو خاطب بكلمات مهملة لم توضع في لغة من اللغات لمعنى على أن يبين المراد منها بعد ذلك .

[ ص: 46 ] وأما الشبهة الخاصة بما استعمل من الظواهر في غير ما هو ظاهر فيه فثلاث شبه ، الأولى : إنه إن جاز الخطاب بمثل ذلك من غير بيان له في الحال ، فإما أن يقال : بجواز تأخير بيانه إلى مدة معينة ، فهو تحكم لم يقل به قائل .

وإن كان ذلك إلى غير نهاية فيلزم منه بقاء المكلف عاملا أبدا بعموم قد أريد به الخصوص ، وهو في غاية التجهيل .

الثانية : أنه إذا خاطب الشارع بما يريد به غير ظاهره ، فإما أن لا يكون مخاطبا لنا في الحال أو يكون مخاطبا لنا به حالا : الأول خلاف الإجماع ، وإن كان الثاني ، فلا بد وأن يكون قاصدا لتفهيمنا بخطابه حالا ، وإلا خرج عن كونه مخاطبا لنا حالا ، وهو خلاف الفرض . وبيان لزوم ذلك أن المعقول من قول القائل " خاطب فلان فلانا " أنه قصد تفهيم كلامه له .

وإذا كان قاصدا للتفهيم في الحال ، فإن قصد تفهيم ما هو الظاهر من كلامه فقد قصد تجهيلنا ، وهو قبيح ، وإن قصد تفهيم ما هو المراد منه فقد قصد ما لا سبيل لنا إليه دون البيان ، وهو أيضا قبيح .

الثالثة : أنه لو جاز أن يخاطبنا بالعموم ويريد به الخصوص من غير بيان له في الحال لتعذر معرفة المراد من كلامه مطلقا ، وذلك لأن ما من لفظ يبين به المراد إلا ويجوز أن يكون قد أراد به غير ( ما هو ) الظاهر منه ولم يبينه لنا ، وذلك مما يخل بمقصود الخطاب مطلقا ، وهو ممتنع .

والجواب عن الشبهة الأولى بالفرق وهو أن اللفظ المجمل ، وإن لم يعلم منه المراد بعينه ، فقد علم المكلف أنه مخاطب بأحد مدلولاته المعينة المفهومة له ، وبذلك يتحقق اعتقاده للوجوب والعزم على الفعل بتقدير البيان والتعيين ، فكان مفيدا بخلاف الخطاب ، بما لا يفهم منه شيء أصلا ، كما فرضوه .

وبهذا يكون جواب الشبهة الثانية .

وعن الشبهة الثالثة : أن تأخير البيان إنما يجوز إلى الوقت الذي تدعو الحاجة فيه إلى البيان ، وذلك لا يكون إلا معينا في علم الله تعالى ، ويجوز أن يكون معلوما للرسول بإعلام الله تعالى ( له ) .

وعند ذلك فأي وقت وجب على المكلف العمل [ ص: 47 ] بمدلول اللفظ فيه ، فذلك هو وقت الحاجة إلى البيان ، والبيان لا يكون إذ ذاك متأخرا لما فيه من تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وقبل وقت الوجوب ، فلا عمل للمكلف ، حتى يقال بأنه عامل بعموم أريد به الخصوص ، بل غايته أنه يعتقد ذلك ولا امتناع فيه كما لو أمر بعبادة متكررة كل يوم ، فإنه لا يمتنع اعتقاده لعموم ذلك في جميع الأيام ، مع جواز نسخها في المستقبل وإن لم يرد بذلك بيان ، وكل ما يعتذر به في النسخ فهو عذر لنا هاهنا .

وعن الشبهة الرابعة من وجهين : الأول : أنه وإن لزم من كونه مخاطبا لنا أن يكون قاصدا لتفهيمنا في الحال ، لكن لا لنفس ما هو الظاهر من كلامه فقط ، بل يفهم ما هو الظاهر من كلامه مع تجويز تخصيصه ، وليس في ذلك تجهيل ولا إحالة ، وذلك مما لا يمنع ورود المخصص بعد ذلك ، وإلا لما كان مجوز التخصيص ، وهو خلاف الفرض .

الثاني : أنه يلزم على ما ذكروه الخطاب بما علم الله أنه سينسخه ، فإن جميع ما ذكر من الأقسام بعينها متحققة فيه ، ومع ذلك جاز الخطاب به مع تأخير بيانه .

وعن الخامسة من وجهين :

الأول : أنه لا يمتنع أن يكون البيان ، إما بدليل قاطع لا يسوغ فيه احتمال التأويل ، أو ظني اقترن به من القرائن ما أوجب العلم بمدلول كلامه .

الثاني : أنه يلزم على ما ذكروه الخطاب الوارد الذي علم الله نسخ حكمه مع تأخير البيان عنه ، والجواب يكون متحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية