الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 160 ] المسألة الحادية عشرة

اختلفوا في جواز نسخ الحكم الثابت بالإجماع ، فنفاه الأكثرون وأثبته الأقلون .

والمختار مذهب الجمهور ، ودليله أن ما وجد من الإجماع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقراض زمن الوحي لو نسخ حكمه : فإما أن يكون بنص من كتاب أو سنة أو بإجماع آخر أو قياس ، لا جائز أن يكون بنص ; لأن ذلك النص لا بد وأن يكون موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سابقا على هذا الإجماع لاستحالة حدوث نص بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان ذلك النص متقدما على الإجماع لكان إجماعهم على خلاف مقتضاه خطأ ، وهو غير متصور من الأمة .

ولا جائز أن يكون بإجماع آخر ; لأن الإجماع الثاني إما أن يكون بناء على دليل رافع لحكم الإجماع أو لا بناء على دليل ، فإن لم يكن مبنيا على دليل كان خطأ والأمة مصونة عنه ، وإن كان ذلك بدليل ، فذلك الدليل إما أن يكون نصا أو قياسا .

لا جائز أن يكون نصا ; لأنه لا بد وأن يكون متقدما على الإجماعين متحققا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويلزم من ذلك - الخطأ في الإجماع الأول وهو محال .

ولا جائز أن يكون قياسا ; لأنه لا بد له من أصل ، والحكم في ذلك الأصل إما أن يكون بدليل متجدد بعد الإجماع الأول أو سابق عليه ، فإن كان بدليل متجدد فهو إما إجماع أو قياس لاستحالة تجدد النص ، فإن كان إجماعا فلا بد له من دليل وذلك الدليل لا بد وأن يكون نصا أو قياسا على أصل آخر ، فإن كان قياسا على أصل آخر فالكلام في ذلك الأصل كالكلام في الأول ، فإما أن يتسلسل أو ينتهي إلى أصل ثابت بالنص ، والتسلسل محال ، والثاني يلزم منه أن يكون النص على أصل القياس سابقا على الإجماع الأول ، وعند ذلك فصحة القياس عليه مشروطة بعدم الإجماع الأول على مناقضته ، ونسخ الإجماع الأول به متوقف على صحته ، وهو دور ممتنع .

هذا كله إن كان دليل أصل القياس الذي هو مستند الإجماع متجددا ، وإن كان سابقا على الإجماع الأول فعدول أهل الإجماع عنه دليل على عدم صحة القياس عليه ، وإلا كان إجماعهم خطأ وهو محال .

[ ص: 161 ] وأما إن كان الناسخ لحكم الإجماع الأول هو القياس فلا بد وأن يكون مستندا إلى أصل ثابت بالنص ، والكلام في نسخ النص به مما يفضي إلى الدور كما قررناه قبل .

فإن قيل : فلو اختلفت الأمة في المسألة على قولين فقد أجمعت على أن المقلد له الأخذ بأي القولين شاء ، ولو أجمعت بعد ذلك على أحد القولين فقد أجمعت على حصر >[1] ما أجمعت أولا على تجويزه ، وهو نسخ حكم الإجماع بالإجماع .

قلنا : نحن لا نسلم تصور انعقاد الإجماع الثاني على ما سبق في مسائل الإجماع .

التالي السابق


الخدمات العلمية