الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 178 ] المسألة التاسعة عشرة

اتفقوا على أن نسخ سنة من سنن العبادة لا يكون نسخا لتلك العبادة ، كنسخ ستر الرأس والوقوف على يمين الإمام في الصلاة .

واختلفوا في أن نسخ ما تتوقف عليه صحة العبادة هل يكون نسخا لتلك العبادة ؟ فذهب الكرخي وأبو الحسين البصري إلى أن ذلك لا يكون نسخا للعبادة .

وسواء كان المنسوخ جزءا من مفهوم العبادة كالركعة من صلاة الظهر مثلا ، أو شرطا خارجا عن مفهوم الصلاة كالوضوء .

ومن المتكلمين من قال : إنه نسخ للعبادة مطلقا ، وإليه ميل الغزالي .

ومنهم من فصل بين الجزء والشرط ، وأوجب نسخ العبادة بنسخ جزئها دون شرطها كالقاضي عبد الجبار .

والمختار أنه لا يكون ذلك نسخا للعبادة مطلقا ، أما إذا كانت الصلاة أربع ركعات فكل ركعتين منها واجبة ، فنسخ أحد الواجبين لا يوجب نسخ الواجب الآخر ، وكذلك إذا كانت الصلاة واجبة ، والطهارة شرط فيها ، فنسخ اشتراط الطهارة لا يكون موجبا لنسخ وجوب الصلاة ، بل الوجوب باق بحاله فلا نسخ .

فإن قيل : إذا أوجب الشارع أربع ركعات ثم نسخ منها وجوب ركعتين ، فقد نسخ وجوب أصل العبادة لا أنه نسخ للبعض وتبقية للبعض ، فإن الركعتين الباقيتين ليست بعض الأربع بل هي عبادة أخرى ، وإلا فلو كانت بعضا منها لكان من صلى الصبح أربع ركعات آتيا بالواجب وزيادة كما لو أوجب عليه التصدق بدرهم فتصدق بدرهمين .

وإن سلمنا أن وجوب الركعتين باق بحاله غير أنها كانت قبل نسخ الركعتين لا تجزي ، وقد ارتفع ذلك بنسخ الركعتين الزائدتين حيث صارت تجزئ ، وكان يجب تأخير التشهد إلى ما بعد الأربع ، وقد ارتفع ذلك وهو عين النسخ .

وعلى هذا يكون الحكم فيما إذا نسخ - شرط العبادة ، فإنها كانت قبل النسخ لا تجزئ ، وقد ارتفع ذلك بنسخ الشرط .

والجواب قولهم : إن نسخ الركعتين نسخ لوجوب أصل العبادة - ليس كذلك بدليل بقاء وجوب الركعتين .

[ ص: 179 ] قولهم : الركعتان عبادة أخرى غير العبادة الأولى ، إن أرادوا بالغيرية أنها بعض منها والبعض غير الكل فمسلم ، ولكن لا يكون نسخا للركعتين وإن كان نسخا لوجوب الكل ، وإن أرادوا به أنها ليست بعضا من الأربع فهو غير مسلم .

قولهم : لو كانت بعضا من الأربع لكان من صلى الصبح أربعا قد أتى بالواجب وزيادة . قلنا : ولو لم تكن بعضا من الواجب الأول بل عبادة أخرى لافتقرت في وجوبها إلى ورود أمر يدل على وجوبها ، وهو خلاف الإجماع ، وحيث لم تصح صلاة الصبح عند الإتيان بأربع ركعات فإنما كان لإدخال ما ليس من الصلاة فيها .

قولهم : إنها كانت قبل نسخ الركعتين لا تجزئ . قلنا : إن أريد به عدم امتثال الأمر والثواب عليها فذلك مستند إلى النفي الأصلي ، فرفعه لا يكون نسخا ، وإن أريد به وجوب القضاء فهو نسخ لكن لا لنفس العبادة .

قولهم : إنه كان يجب تأخير التشهد إلى ما بعد الأربع - ليس كذلك ، فإن التشهد بعد الركعتين جائز .

نعم غايته أنه لم يكن واجبا وعدم وجوبه فلبقائه على النفي الأصلي ، فرفعه لا يكون نسخا شرعيا على ما عرف .

نعم لو قيل برفع جوازه بحكم الشرع كان ذلك نسخا .

وعلى هذا عرف الجواب عن قولهم إن العبادة كانت لا تجزئ دون الطهارة ثم صارت مجزئة .

التالي السابق


الخدمات العلمية