[ ص: 216 ] المسألة السابعة  
اتفق الكل على أن  
تعدية العلة  شرط في صحة القياس ، وعلى  
صحة العلة القاصرة كانت منصوصة أو مجمعا عليها     .  
وإنما اختلفوا في صحة  
العلة القاصرة إذا لم تكن منصوصة ولا مجمعا عليها     .  
وذلك كتعليل أصحاب  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  حرمة الربا في النقدين بجوهرية الثمينة .  
فذهب  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  وأصحابه  
 nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل  والقاضي أبو بكر   nindex.php?page=showalam&ids=14959والقاضي عبد الجبار  وأبو الحسين البصري  وأكثر الفقهاء والمتكلمين إلى صحتها .  
وذهب  
أبو حنيفة  وأصحابه  
وأبو عبد الله البصري  والكرخي  إلى إبطالها .  
والمختار صحتها ، وقد احتج القائلون بذلك بمسالك :  
المسلك الأول : أنهم قالوا :  
تعدية العلة إلى الفرع موقوف على صحتها في نفسها  ، فلو كانت صحتها متوقفة على تعديتها كان دورا ممتنعا .  
ولقائل أن يقول : إن أردتم بالتعدية الموقوفة على صحة العلة ثبوت الحكم بها في الفرع فهو مسلم ، وإن أردتم بالتعدية الموقوفة على صحة العلة وجودها في الفرع لا غير ، فهو غير مسلم .  
وعلى هذا فنحن لا نقول بأن التعدية بالاعتبار الأول شرط في صحة العلة ليكون دورا ، وإنما نقول بأن شرط صحة العلة التعدية بالاعتبار الثاني ، وهو غير مفض إلى الدور ، فإن صحة العلة وإن كانت مشروطة بوجودها في غير محل النص ، فوجودها غير متوقف على صحتها في نفسها فلا دور ، وإن سلمنا توقف التعدية على الصحة وتوقف الصحة على التعدية ، فإنما يلزم الدور أن لو كان ذلك التوقف مشروطا بتقدم كل واحد من الأمرين على الآخر ، وأما إذا كان ذلك بجهة المعية كما في توقف كل واحد من المضافين على الآخر فلا دور .  
المسلك الثاني : أنهم قالوا : إذا دار الحكم مع الوصف القاصر وجودا وعدما دل على كونه علة كالمتعدي ، وهو غير صحيح لما سنبينه من إبطال التمسك بالدوران .   
[ ص: 217 ] المسلك الثالث : أنهم قالوا : إذا جاز أن تكون علة عند دلالة النص عليها جاز أن تكون علة بالاستنباط ، وهو غير صحيح أيضا ، وذلك لأن عليتها عند دلالة النص عليها مستفادة من النص ، ودلالة النص عليها غير متحققة حالة استنباطها ، فلا يلزم أن تكون علة .  
فإن قيل : إذا دل النص على علية الوصف القاصر وجب الحكم بعلية المستنبط لما بينهما من الاشتراك في الحكمة ، قلنا : هذا قياس في الأسباب وسيأتي إبطاله .  
والمعتمد في ذلك أن يقال : إذا كان الوصف القاصر مناسبا للحكم والحكم ثابت على وفقه غلب على الظن كونه علة للحكم ، بمعنى كونه باعثا عليه ، ولا معنى لصحة العلة سوى ذلك .  
فإن قيل : القضاء بصحة العلة يستدعي فائدة ، فإن ما لا فائدة فيه لا يمكن القضاء بصحته ،  
وفائدة العلة  إنما هي في إثبات الحكم بها ، والعلة القاصرة غير مثبتة للحكم في الأصل ; لكونه بالنص أو الإجماع ، ولأنها مستنبطة منه فتكون فرعا عليه ، فلو كانت مثبتة له لكان فرعا عليها وهو دور ، ولا هي مثبتة للحكم في الفرع لعدم تعديتها ، فقد تعرت عن الفائدة بالكلية فلا تكون صحيحة .  
قلنا : وإن سلمنا امتناع إثبات الحكم بالعلية القاصرة ، وأن إثبات الحكم بها فائدة لها ، ولكن لا نسلم انحصار فائدتها في ذلك بل لها ثلاث فوائد أخر :  
الأولى : معرفة كونها باعثة على الحكم بما اشتملت عليه من المناسبة أو الشبه ، وإذا كانت باعثة على الحكم كان الحكم معقول المعنى ، وكان أدعى إلى الانقياد وأسرع في القبول له مما لم يظهر فيه الباعث ، وكان تعبدا ، وإذا كان كذلك كان أفضى إلى تحصيل مقصود الشرع من شرع الحكم فكان التعليل بها مفيدا .  
الثانية : أن العلة إذا كانت قاصرة فبتقدير ظهور وصف آخر متعد في محلها يمتنع تعدية الحكم به دون ترجيحه على العلة القاصرة ، وذلك من أجل الفوائد .  
الثالثة : أنه إذا كانت القاصرة علة وعرفناها ، فقد امتنع بسببها تعدية الحكم إلى الفرع وذلك أيضا من أتم الفوائد .   
[ ص: 218 ] فإن قيل : وإن كان ما ذكرتموه من جملة الفوائد ، وأن ذلك مما يغلب على الظن الصحة ، غير أن العمل بالظن على خلاف قوله تعالى : (  
وإن الظن لا يغني من الحق شيئا     ) وحيث خالفناه في العلة المتعدية لاشتمالها على ما ذكرتموه من الفوائد وزيادة فائدة التعدية فلا يلزم منه المخالفة فيها  
>[1] دون ذلك .  
قلنا : يجب حمل الآية على ما المطلوب فيه القطع جمعا بينه وبين ما ذكرناه من الدليل .  
سلمنا أنه لا فائدة في العلة القاصرة ، ولكن لا يلزم من ذلك امتناع القضاء بصحتها بدليل ما لو كانت منصوصة .