الإحكام في أصول الأحكام

الآمدي - علي بن محمد الآمدي

صفحة جزء
[ ص: 234 ] المسألة الحادية عشرة

>[1] اختلفوا في اشتراط العكس في العلل الشرعية فأثبته قوم ونفاه أصحابنا والمعتزلة .

وقبل الخوض في الحجاج لا بد من بيان أقسام العكس ، واختلاف الاصطلاحات فيه وتعيين محل النزاع منها .

فنقول : أما العكس في اللغة فمأخوذ من رد أول الأمر إلى آخره ، وآخره إلى أوله ، وأصله شد رأس البعير بخطامه إلى ذراعه .

وأما في اصطلاح الحكماء فهو عبارة عن جعل اللازم ملزوما والملزوم لازما مع بقاء كيفية القضية بحالها من السلب والإيجاب





>[2] وذلك كقول القائل في عكس القضية الحملية إذا كانت موجبة كلية كقولنا : ( كل إنسان حيوان ) ، أو جزئية كقولنا : ( بعض الإنسان حيوان ) ، ( بعض الحيوان إنسان ) ، أو كلية سالبة كقولنا : ( لا شيء من الإنسان بحجر ) ، ( لا شيء من الحجر بإنسان ) ، وعلى قياسه عكس القضية الشرطية .

وأما في اصطلاح الفقهاء والأصوليين فقد يتعلق العكس باعتبارين :

الأول منهما مثل قول الحنفي : لما لم يجب القتل بصغير المثقل لم يجب بكبيره ، بدليل عكسه في المحدد ، وهو أنه لما وجب بكبير الجارح وجب بصغيره ، وهو باطل [ ص: 235 ] فإنه لا مانع من ورود الشارع بوجوب القصاص بكل جارح وإن تخصص وجوبه في المثقل بالكبير منه .

وأما الثاني : فهو انتفاء الحكم عند انتفاء العلة >[3] والعكس بهذا الاعتبار هو المقصود بالخلاف هاهنا .

والمختار فيه إنما هو التفصيل ، وهو أن جنس الحكم المعلل إما أن لا يكون له سوى علة واحدة أو أنه معلل بعلل في كل صورة بعلة .

فإن كان الأول ، وذلك كتعليل جنس وجوب القصاص في النفس بالقتل العمد العدوان فإنه لا علة له سواه ، فلا شك في لزوم انتفائه عند انتفاء علته ، لا لأنه يلزم من نفي العلة الواحدة نفي الحكم ، بل لأن الحكم لا بد له من دليل ولا دليل .

وإن كان الثاني ، كما في إباحة الدم بالقتل العمد العدوان . والردة عن الإسلام والزنى في الإحصان وقطع الطريق ، وتعليل نقض الوضوء بالمس واللمس والبول والغائط ، فلا شك أنه لا يلزم من انتفاء بعض هذه العلل نفي جنس الحكم لجواز وجود علة أخرى ، وإنما يلزم نفيه بتقدير انتفاء جميع العلل .

هذا في جنس الحكم المعلل ، وأما آحاد أشخاص الحكم في آحاد الصور ، فإنه يمتنع تعليله بعلتين على ما يأتي تقريره ، وإنما يكون معللا بعلة واحدة على طريق البدل فلا يلزم من نفي العلة المعينة نفيه لجواز وجود بدلها لما سبق .

فإن قيل : وإن كان الحكم معللا بعلة واحدة ولا علة له سواها في دليل عليه فكانت مشابهة للدليل العقلي في العقليات ، ولا يلزم من نفي الدليل في العقليات نفي المدلول ، ولهذا فإن الصنعة دليل وجود الرب تعالى ، ولو قدر انتفاؤها لم يلزم منه انتفاء وجود الرب تعالى فكذلك العلة الشرعية .

قلنا : العلة وإن كانت دليل الحكم فلا نعني بانتفاء الحكم عند انتفائها انتفاءه في نفسه ، بل انتفاء العلم أو الظن به ضرورة توقف ذلك على النظر الصحيح في الدليل ولا دليل ، وكذلك الحكم في الصنعة مع الصانع .

التالي السابق


الخدمات العلمية